وهو اختلاف الناقلين ، واختلاف من بعدهم أشد الاختلاف.
يبقى في المقام سؤال وهو انّ الذين امتنعوا من الصحابة من نقل الحديث هل هو بداع نفسي منهم مخافة الكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بزجر حكومي من الخلفاء ـ لا سيّما الخليفة الثاني ـ؟ الظاهر هو الثاني ، ويدعمه قرائن ـ كما يأتي عن أبي هريرة ـ وكما يستفاد من كلام عثمان السابق وغيره ، والله العالم.
إذا فرضنا النهي عن اكثار نقل الحديث أو عن أصله ، وكذا إن فرضنا رغبة جمع من الاَصحاب عن تحديث الناس بأحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان بوسع جمع منهم أن يحفظ السنّة القوليّة عن الاندراس والنسيان بقيد الكتابة ، بأنّ يكتبوا ما يطمئنون بسماعه عن الرسول الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم ويودعونه إلى الثقات تكميلاً لاَمر الشريعة ، لكن كتابة الحديث بدورها ـ كنقل الحديث ـ ابتليت بالمنع والنهي ، بل بمنع أشد من منع النقل ، واليكم بعض دلائله :
١ ـ روى الدارمي ( شيخ البخاري ) ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد ، عن أبي سعيد الخدري ( رض ) قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ، فمن كتب عنّي غير القرآن فليمحه.
واخرج الدارمي ، عن أبي سعيد : انّهم استأذنوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أن يكتبوا عنه ، فلم يأذن لهم.
ولفظ الترمذي : استأذنا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الكتابة ، فلم يأذن لنا (١).
__________________
(١) سنن الترمذي ٢ : ٩١.