يغتذي بغذاء شبيه بهذا ، ورأيت ذلك عرض لنسوة كثيرة ممن كان في ذلك الوقت يرضع وكذا أصاب من اغتذى بمثلها ، ولو أن عنزا أو حيوانا آخر اغتذى نبات السقمونيا أو اليتوع وتناول إنسان من لبنه ليغتذي به لكان بطنه على كل حال مستطلقا ، وإذا كان كذلك فينبغي أن تفهم عني جميع ما أصفه لك فإني لست أقول ذلك في اللبن كله مطلقا أي لبن كان إنما أقوله في اللبن الجيد منه في غاية الجودة الفائق في كل واحد من أجناس الحيوان وأما اللبن الذي هو دون الجيد الفائق في كل واحد من سائر الحيوانات فمقصر عما يحتاج إليه منه في نفع المغتذي به بحسب ذلك لأن اللبن الذي يكون كثير الماء فاستعماله وإن دام واتصل أقل خطرا من استعمال سائر الألبان ، فأما اللبن الذي تكون هذه الرطوبة فيه قليلة ويكون كثير الجبن ليس في الإكثار منه خير لأنه يضره بالكليتين لتوليد الحصا ويحدث في الكبد سددا فيمن يسرع إلى كبده ، وإذا طبخ اللبن مع أحد الأغذية الغليظة ذهب نفخه غير أنه يصير أكثر ملاءمة لتولد السدد في الكبد والحصا في الكليتين ، فينبغي أن يتفكر في أنه إذا خالط اللبن سائر الأشياء التي يخلطها الناس به ويأكلونها فإن قوى الأشياء التي تخلط معه لا تخلو إما أن تكون زائدة في واحدة من هذه القوى منمية لقوّة اللبن أو ناقصة من واحدة منها مقللة ، فأما ههنا فنجرد القول في اللبن وحده على الإنفراد فنقول : أن اللبن وحده مفردا جيد الغذاء كثير لأنه مركب من جواهر وقوى متضادّة أعني من قوّة تطلق البطن وجبنه يحبسها مولد للأخلاط الغليظة التي بسببها يحدث السدد في الكبد والحصا في الكليتين وإدمان استعماله مضر بالأسنان ، وينبغي لمن يتناوله التمضمض بعده بشراب ممزوج والأجود أن يخلط معه عسل فإن ذلك مذهب ويجلوها والتمضمض بعده بالشراب الصرف أصلح لمن يضر رأسه وكذا مع العسل ، وأجود من ذلك في دفع الضرر عن الأسنان التمضمض قبله بعسل أو بشراب عفص قابض ، وقال في كتاب الكيموسين : أكثر الأطباء يشقون باللبن قروح الرئة ومن البين أن ذلك يكون من قبل أن تعظم القرحة وتصلب ولبن النساء عندهم في ذلك أحمد من سائر الألبان. الرازي في الحاوي : اللبن يملأ المعدة وتولد كثرته حمى وقملا. روفس في كتاب الأغذية : هو أفضل الأغذية للأخلاط السوداوية والعقر في الأعضاء ودواء للسموم وهو حار رطب قوي في ذلك واستدل على ذلك بأنه قد انهضم أكثر من انهضام الدم وعن الدم كان فهو أشد انهضاما منه. حنين : ينبغي أن ينظر أي الأعضاء هضمته فإنه إنما هضمته أعضاء باردة ولذلك قد رجع باردا إلا أن كل شيء يهضم شيئا يشبهه بنفسه ومن البين أن الثديين هضمته وهما باردان. روفس : ولأنّ اللبن دسم نضيج صار إلهابه للحرارة سريعا ولذلك صار يعطش وإشعاله للحمى أسهل. حنين : ذلك لسرعة استحالته إلى ما يصادف.
روفس في كتاب اللبن : يختلف اللبن باختلاف حيواناته وسنه وغذائه ورياضته وقرب عهده بالولادة وصفته ويقع الخلاف في ذلك بما يمكن أن يكون دواء وغذاء ويختلف ذلك بحسب الأبدان فإن من الناس من يخف عليه شربه وإن أكثر منه وبالضد قال ، واستدل على صحته وسقمه بما هنالك من الدلائل ورقة جلودها وقلة شعرها وتناثرها وامتناعها من العلف يدل على مرضها فليحذر لبن الحيوان السقيم إلا أن يقصد به الإسهال فإن انحدار هذا اللبن أسرع ، ولبن الحيوان