صاح عليّ بأبي واقد وأيمن :
ـ إنتحيا بالابل واعقلاها.
الصحراء مد البصر تموج بالرمال وعليّ الذي أنهكه المشي هو رجل القافلة الأوّل فتى تعدّى العشرين بثلاث. كانت العيون تتجه اليه أمّه تراقبه متوجسة ، وبنت محمّد تخاف عليه سيوف أعداء أبيها ، وأبو واقد لا حول له ولا قوّة. وقف عليّ وعيناه تقدحان شرراً.
هتف فارس لم يكتشف عليّاً بعد :
ـ أظننت يا غدّار انك ناج بالنسوة .. ارجع لا أبا لك.
ـ فإن لم أفعل؟.
ـ لترجعن راغماً.
ودنا أحدهم من النوق لإثارتها فاعترضه عليّ وهوى بسيفه وسقط الفارس فوق الرمال.
تسمّر الفرسان. لقد أخذتهم المفاجأة. انهم لم يروا في حياتهم ضربة كهذه. صاح أحدهم وقد رأى الفتى يستعد للهجوم :
ـ أحبس نفسك عنّا يا ابن أبي طالب.
وهكذا دخل عليّ دنيا الفروسية ، كما دخل دنيا الفداء قبل أيام.
وسارت سفن الصحراء تشقّ طريقها على مهل صوب يثرب ، تسير ليلاً وتكمن نهاراً.