على النَّبيثة التى هى كُناسة البئر ، وهيهاتَ الأَرْوِىُّ من النعامِ الأرْبد (١) ، وأينَ سُهَيلٌ من الفَرْقَد (٢)؟ النَّبيثة من « ن ب ث » ، وتستبيث من « ب وث » أو « ب ى ث » يقال : بُثْت الشىء بَوْثا ، وَبِثْتُه بَيْثا : إذا استخرجته.
ومن قوله : صدَرْت عن البلاد صَدَرًا : هو الاسم ، فإن أردت المصدر جزمْت الدال ؛ فهل أوحشُ من هذه العبارة ، أو أفحش من هذه الإشارة؟
وهل أدلّ على قلَّة التفصيل ، والبُعد عن التحصيل ، والجهل بالتنتيج والتلقيح ، وجودة الانتقاد والتنقيح ، من قول أبى عبد الله بن الأعرابىِّ ، فى كتابه الموسوم بالنوادر : العدوّ : يكون للذكر والأنثى بغير هاء. والجمع أعداء ، وأعادٍ ، وعُداة ، وعِدًى ، وعُدًى ، فأوهم أن هذا كله جمع لشىء واحد.
وإنما أعدَاء : جمع عدوٌ ، أجروه مُجْرى فعيل صفة ، كشريف وأشراف ، ونصير وأنصار ، لأن فَعولاً وفَعيلا متساويتان فى العِدَّة ، والحَرَكة والسُّكون ، وكون حرف اللين ثالثا فيهما ، إلا بحسب اختلاف حَرْفَى اللِّين ، وذلك لا يوجب اختلافًا فى الحكم هنا ، ألا تراهم سَوَّوْا بين نَوَارٍ وصَبور فى الجمع ، فقالوا : نُوُرٌ وصُبُر؟ وقد كان يجب أن يكَسَّر عَدُوّ على ما كُسِّر عليه صَبور ، لكنهم لو فعلوا ذلك لأجحفوا ، إذ لو كسَّروه على « فُعُل » ، للزمَ عُدُوٌ. ثم لزم إسكان الواو ، كراهية الحركة عليها ، فإذا سكنت وبعدها التنوين ، التقى ساكنان ، فحذفت الواو ، فقيل عُدٌ ، وليس فى الكلام اسم آخره واو قبلها ضمة ، فإن أدّى إلى ذلك قياسٌ رُفِض ، فقلبت الضمة كسرة ، ولزم لذلك انقلاب الواو ياء ، فقيل « عُدٍ » ، فتنكَّبتِ العرب ذلك فى كلّ (٣) معتلّ اللام ، على فَعُول ، أو فَعِيل ، أو فِعال ، أو فَعال ، على ما قد أحكمتْه صناعةُ الإعراب.
وأما أعادٍ فجمع الجمع ، كَسَّروا عَدُوّا على أعداء ، ثم كَسَّروا أعداءً على أعادٍ ، وأصله أعادىُّ ، كأنعام وأناعيم ، لأن حرف اللين إذا ثبت رابعًا فى الواحد ، ثبت فى الجميع ، وكان ياء ، إلا أن يُضْطَرّ إليه شاعر ، كقوله ، أنشده سيبويه :
*والبَكَرَاتِ الفُسَّجَ الْعَطامِسا* (٤)
ولكنهم قالوا : أعادٍ كراهِية الياءين مع الكسرة ، كما حَكى سيبويه فى جمع مِعطاءٍ
__________________
(١) الرُّبْدَة والرُّبْد فى النعام سواد مختلط ظليم أربدُ.
(٢) الفرقدان : نجمان فى السماء لا يغربان ، وربما قالت العرب لهما فرقد.
(٣) فى بعض النسخ : فى كل بناء.
(٤) الرجز لغيلان بن حريث الربعى فى الكتاب ( ٣ / ٤٤٥ ) ؛ وبلا نسبة فى الخصائص ( ظبظب ) ، ( فسج ) ،