ولهذا أعني كون القول بالتناسخ دائرا بين الوثنية ذكر بعض المفسرين أن المراد بالآية قولهم بالتناسخ ، والمعنى : « ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا » فلسنا نخرج من الدنيا أبدا « نَمُوتُ » عن حياة دنيا « وَنَحْيا » بعد الموت بالتعلق ببدن جديد وهكذا « وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ».
وهذا لا يخلو من وجه لكن لا يلائمه قولهم المنقول ذيلا : « وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ » إلا أن يوجه بأن مرادهم من نسبة الإهلاك إلى الدهر كون الدهر وسيلة يتوسل بها الملك الموكل على الموت إلى الإماتة ، وكذا لا تلائمه حجتهم المنقولة ذيلا : « ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » الظاهرة في أنهم يرون آباءهم معدومين باطلي الذوات.
وذكر في معنى الآية وجوه أخر لا يعبأ بها كقول بعضهم : المعنى نكون أمواتا لا حياة فيها وهو قبل ولوج الروح ثم نحيا بولوجها على حد قوله تعالى : « وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ » البقرة : ٢٨.
وقول بعضهم : المراد بالحياة بقاء النسل مجازا ، والمعنى : نموت نحن ونحيا ببقاء نسلنا. إلى غير ذلك مما قيل.
وقوله : « وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ » أي إن قولهم ذلك المشعر بإنكار المعاد قول بغير علم وإنما هو ظن يظنونه وذلك أنهم لا دليل لهم يدل على نفي المعاد مع ما هناك من الأدلة على ثبوته.
قوله تعالى : « وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » تأكيد لكون قولهم بنفي المعاد وحصر الحياة في الحياة الدنيا قولا بغير علم.
والمراد بالآيات البينات الآيات المشتملة على الحجج المثبتة للمعاد وكونها بينات وضوح دلالتها على ثبوته بلا شك ، وتسمية قولهم : « ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » مع كونه اقتراحا جزافيا بعد قيام الحجة إنما هو من باب التهكم فإنه من قبيل طلب الدليل على المطلوب بعد قيام الدليل عليه فكأنه قيل : ما كانت حجتهم إلا اللاحجة.
والمعنى : وإذا تتلى على هؤلاء المنكرين للمعاد آياتنا المشتملة على الحجج المثبتة للمعاد والحال أنها واضحات الدلالة على ثبوته ما قابلوها إلا بجزاف من القول وهو طلب الدليل على إمكانه بإحياء آبائهم الماضين.