وفي الآية وعد المؤمنين بالغلبة والظفر إن أطاعوا الله ورسوله فهي كقوله : « وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » آل عمران : ١٣٩.
قوله تعالى : « إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ » ترغيب لهم في الآخرة وتزهيد لهم عن الدنيا ببيان حقيقتها وهي أنها لعب ولهو ـ وقد مر معنى كونها لعبا ولهوا ـ.
وقوله : « وَإِنْ تُؤْمِنُوا » إلخ ، أي أن تؤمنوا وتتقوا بطاعته وطاعة رسوله يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم بإزاء ما أعطاكم وظاهر السياق أن المراد بالأموال جميع أموالهم ويؤيده أيضا الآية التالية.
قوله تعالى : « إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ » الإحفاء الإجهاد وتحميل المشقة ، والمراد بالبخل ـ كما قيل ـ الكف عن الإعطاء ، والأضغان الأحقاد.
والمعنى : أن يسألكم جميع أموالكم فيجهدكم بطلب كلها كففتم عن الإعطاء لحبكم لها ويخرج أحقاد قلوبكم فضللتم.
قوله تعالى : « ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ » إلى آخر الآية بمنزلة الاستشهاد في بيان الآية السابقة كأنه قيل : إنه إن يسأل الجميع فيحفكم تبخلوا ويشهد بذلك أنكم أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ـ وهو بعض أموالكم ـ فبعضكم يبخل فيظهر به أنه لو سأل الجميع جميعكم بخلتم.
وقوله : « وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ » أي يمنع الخير عن نفسه فإن الله لا يسأل ما لهم لينتفع هو به بل لينتفع به المنفقون فيما فيه خير دنياهم وآخرتهم فامتناعهم عن إنفاقه امتناع منهم عن خير أنفسهم ، وإليه يشير قوله بعده : « وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ » والقصران للقلب أي الله هو الغني دونكم وأنتم الفقراء دون الله.
وقوله : « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » قيل : عطف على قوله : « وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا » والمعنى : إن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم وإن تتلوا وتعرضوا يستبدل قوما غيركم بأن يوفقهم للإيمان دونكم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يؤمنون ويتقون وينفقون في سبيل الله.