ولما كان حب الإيمان والانجذاب إليه وكراهة الكفر ونحوه صفة بعض من كان الرسول فيهم دون الجميع كما يصرح به الآية السابقة ، وقد وصف بذلك جماعتهم تحفظا على وحدتهم وتشويقا لمن لم يتصف بذلك منهم غير السياق والتفت عن خطابهم إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوآله فقال : « أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ » والإشارة إلى من اتصف بحب الإيمان وكراهة الكفر والفسوق والعصيان ، ليكون مدحا للمتصفين بذلك وتشويقا لغيرهم.
واعلم أن في قوله : « وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ » إشعارا بأن قوما من المؤمنين كانوا مصرين على قبول نبأ الفاسق الذي تشير إليه الآية السابقة ، وهو الوليد بن عقبة أرسله النبي صلىاللهعليهوآله إلى بني المصطلق لأخذ زكواتهم فجاء إليهم فلما رآهم هابهم ورجع إلى المدينة وأخبر النبي صلىاللهعليهوآله أنهم ارتدوا فعزم النبي صلىاللهعليهوآله على قتالهم فنزلت الآية فانصرف وفي القوم بعض من يصر على أن يغزوهم.
وسيجيء القصة في البحث الروائي التالي.
قوله تعالى : « فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » تعليل لما تقدم من فعله تعالى بالمؤمنين من تحبيب الإيمان وتزيينه وتكريه الكفر والفسوق والعصيان أي إن ذلك منه تعالى مجرد عطية ونعمة لا إلى بدل يصل إليه منهم لكن ليس فعلا جزافيا فإنه تعالى عليهم بمورد عطيته ونعمته حكيم لا يفعل ما يفعل جزافا كما قال : « وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً » الفتح : ٢٦.
قوله تعالى : « وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما » إلى آخر الآية الاقتتال والتقاتل بمعنى واحد كالاستباق والتسابق ، ورجوع ضمير الجمع في « اقْتَتَلُوا » إلى الطائفتين باعتبار المعنى فإن كلا من الطائفتين جماعة ومجموعهما جماعة كما أن رجوع ضمير التثنية إليهما باعتبار المعنى.
ونقل عن بعضهم في وجه التفرقة بين الضميرين : أنهم أولا في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولا ضميرهم ، وفي حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثنى الضمير.
وقوله : « فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ » البغي الظلم والتعدي بغير حق ، والفيء الرجوع ، والمراد بأمر الله ما أمر به