وقيل : المراد أسباب الرزق السماوية من الشمس والقمر والكواكب واختلاف المطالع والمغارب الراسمة للفصول الأربعة وتوالي الليل والنهار وهي جميعا أسباب الرزق فالكلام على تقدير مضاف أي أسباب رزقكم أو فيه تجوز بدعوى أن وجود الأسباب فيها وجود ذوات الأسباب.
وقيل : المراد بكون الرزق فيها كون تقديره فيها ، أو أن الأرزاق مكتوبة في اللوح المحفوظ فيها.
ويمكن أن يكون المراد به عالم الغيب فإن الأشياء ومنها الأرزاق تنزل من عند الله سبحانه وقد صرح بذلك في أشياء كقوله تعالى : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » الزمر : ٦ ، وقوله : « وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ » الحديد : ٢٥ ، وقوله على نحو العموم : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ٢١ ، والمراد بالرزق كل ما ينتفع به الإنسان في بقائه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومنكح وولد وعلم وقوة وغير ذلك.
وقوله : « وَما تُوعَدُونَ » عطف على « رِزْقُكُمْ » الظاهر أن المراد به الجنة لقوله تعالى : « عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى » النجم : ١٥ ، وقول بعضهم : إن المراد به الجنة والنار أو الثواب والعقاب لا يلائمه قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ » الأعراف : ٤٠.
نعم تكرر في القرآن نسبة نزول العذاب الدنيوي إلى السماء كقوله : « فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ » البقرة : ٥٩ ، وغير ذلك.
وعن بعضهم أن قوله : « وَما تُوعَدُونَ » مبتدأ خبره قوله : « فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ » والواو للاستئناف وهو معنى بعيد عن الفهم.
قوله تعالى : « فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ » النطق التكلم وضمير « إِنَّهُ » راجع إلى ما ذكر من كون الرزق وما توعدون في السماء والحق هو الثابت المحتوم في القضاء الإلهي دون أن يكون أمرا تبعيا أو اتفاقيا.
والمعنى : أقسم برب السماء والأرض أن ما ذكرناه من كون رزقكم وما توعدونه من الجنة ـ وهو أيضا من الرزق فقد تكرر في القرآن تسمية الجنة رزقا كقوله : « لَهُمْ