التبرك والتيمّن ـ تأمّلا من وجوه :
الأول : أنّ التيمّن الذي ذكروه هو دون المستحب الشرعي لعدم وجود نصّ صريح صحيح ـ أو غيره ـ يدلّ عليه ، بل هو مجرّد حسن عرفي واستحسان عقلي لا يوجب كمالا في النفس ولا مزيّة في العمل ، كما يوجبه أدنى المستحبات. ولا يقتضي هذه الدرجة من الاهتمام والمواظبة والولوع والرغبة من كافّة الأصحاب في جميع الأعصار ، على اختلاف مشاربهم. وطريقتهم ـ فقيههم وأصوليّهم ، ومحدّثهم وأخباريّهم ، وحكميهم وصوفيّهم ـ منذ بني على تدوين الحديث وجمع الأخبار ، وعدم القناعة بطريق واحد ، والإجازة من شيخ واحد ، بل بكلّ طريق تمكنوا منه ، ومن كل شيخ وجدوا السبيل إليه ، ولو بالمسافرة إلى البلاد البعيدة وقطع البراري والبحار ، وبالمكاتبة وإرسال الرسل ، والمفاخرة بالكثرة والعلوّ.
قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح درايته : وذكر الشيخ جمال الدين السيبي قدّس سره أن السيد فخار الموسوي اجتاز بوالده مسافرا إلى الحج ، قال : فاوقفني والدي بين يدي السيد ، فحفظت منه أنّه قال لي : يا ولدي أجزت لك ما يجوز لي روايته ، ثم قال : وستعلم فيما بعد حلاوة ما خصصتك به.
وعلى هذا جرى السلف والخلف ، وكأنّهم رأوا الطفل أهلا لتحمّل هذا النوع من أنواع حمل الحديث النبوي ، ليؤدّي به بعد حصول أهليّته ، حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصّت به هذه الأمة ، وتقريبه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعلوّ الإسناد (١).
قال رحمهالله : وقد رأيت خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم عند ولادتهم مع تأريخ ولادتهم ، منهم : السيد جمال الدين بن طاوس لولده
__________________
(١) الدراية : ٢٧٢.