وقد تحدثنا فيما تقدم عن مناهج وسنن وطرق هذه الأنظمة والمدارس ، وتطرقنا إلى دراسة موجزة عن أهم منجزات أئمة لغويي هذه الأنظمة وخصائصها وآثارها. قال الصاحب بن عباد : وغالب هذه الكتب لم يلتزم مؤلفوها الصحيح ، بل جمعوا فيها ما صح وغيره ، وينبهون على ما لم يثبت غالبا (١).
وأول من التزم الصحيح مقتصرا عليه الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ، ولهذا سمى كتابه الصحاح.
والجوهري يعتبر بحق صاحب مدرسة خاصة به حيث ابتكر في التأليف المعجمي منهجا قرّب اللغة إلى الباحثين ويسّر لهم السبيل إلى الكلمة التي يقصدون (٢).
ونظام هذه المدرسة ترتيب المواد على حروف المعجم باعتبار آخر الكلمة بدلا من أولها ثم النظر إلى ترتيب حروف الهجاء عند ترتيب الفصول ، والأول سماه بابا ، والثاني : فصلا.
يقول د. اميل يعقوب (٣) : ولا نظن أن الجوهري ، وهو الإمام في اللغة إلا وقد اطّلع عليها (أي على الأنظمة اللغوية التي سبقته) جميعا ، أما سبب عزوفه عنها وإيثاره نظام القافية الذي يرتب الكلمات حسب أواخر أصولها ... فيعود إلى سبب أو أكثر من الأسباب التالية :
١ ـ أنفة الجوهري من أن يكون تابعا لأحد في منهج التأليف المعجمي ، ورغبته في أن يضع منهجا جديدا ينسب إليه.
يقول الجوهري في خطبته (٤) : «قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة التي شرّف الله منزلتها ، وجعل علم الدين والدنيا منوطا بمعرفتها ، على ترتيب لم أسبق إليه ، وتهذيب لم أغلب عليه ..».
٢ ـ المساعدة على نظم الشعر الذي يتطلب وحدة القافية ، وعلى كتابة النثر الفني.
٣ ـ الطبيعة الاشتقاقية للغة العربية حيث نجد أن الحرف الأخير في الكلمة ، وبخاصة لام الفعل ، أكثر ثباتا من سائر حروفه.
٤ ـ وجود أكثر الألفاظ التي تحتاج إلى شرح في قوافي القصائد التي ينتهي رويها بحرف
__________________
(١) المزهر ١ / ٩٧.
(٢) مقدمة الصحاح ، أحمد عطار ص ١٠١ ، والمعاجم العربية لعبد الله درويش ص ٩١ ، والمعجم العربي ، حسين نصار ص ٤٥٢.
(٣) المعاجم العربية اللغوية ص ١٠٢.
(٤) الصحاح ، مقدمة المؤلف ، والمزهر ١ / ٩٧.