فكتبته منذ دعا لي ما دعا ، وما ترك شيئا علمه الله تعالى من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس منه حرفا واحدا ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكمة ونورا ، فلم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم أكتبه.
فقلت : يا رسول الله ، أو تخوفت النسيان فيما بعد؟
فقال : لست أتخوف عليك نسيانا ولا جهلا ، وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
فقلت : يا رسول الله ، ومن شركائي من بعدي؟
فقال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي ، فقال ، الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هاد مهتد ، لا يضرهم من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم». (١)
وعن جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : «كان علي عليهالسلام صاحب حلال وحرام وعلم بالقرآن ، ونحن على منهاجه.» (٢)
ولذلك فإن أهل البيت عليهمالسلام هم من المصادر الأساسية لتفسير وفهم كتاب الله ، ومن دون أن نأخذ من علمهم الذي هو علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا نستطيع أن نفهم القرآن حق الفهم ، كما أنزله الله تعالى.
يقول الشهرستاني صاحب الملل والنحل : فالقرآن هدى للناس عامة ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون خاصة ، وهدى وذكر للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولقومه أخص من الأول والثاني : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ). (٣) ولقد كان الصحابة متفقين على أن علم القرآن مخصوص بأهل البيت عليهمالسلام ، إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب رضياللهعنه : هل خصصتم أهل البيت دوننا بشيء سوى القرآن؟ فكان يقول : «لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا بما في قراب سيفي» فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأن القرآن وعلمه وتنزيله وتأويله مخصوص بهم. (٤)
أما لماذا خص الله تعالى أهل البيت عليهمالسلام بهذا العلم وبهذه السعة والشمول دون سائر الناس؟ فهو شأن من شأن الله تعالى ، ويكفينا في ذلك النصوص الصحيحة والصريحة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مما أطبق المسلمون على صحتها نحو حديث (الثقلين) و (السفينة) (٥) و (مدينة العلم) (١) وغير ذلك من النصوص المتفق
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ١٤ / ٢.
(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥ / ٥.
(٣) الزّخرف ٤٣ : ٤٤.
(٤) تفسير مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار للشهرستاني بنقل مجموعة باقر العلوم الثقافية (رسائل المؤتمر الرابع للقرآن في قم سنة ١٤١٢ ه).
(٥) وذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق». أنظر : عيون أخبار الرّضا ٢ : ٢٧ / ١٠ ، كمال الدين وتمام النعمة ٢٣٨ / ٥٩ ، حلية الأولياء ٤ : ٣٠٦ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٣٤٣ و ٣ : ١٥٠ ، أمالي الطوسي ١ : ٥٩ و ٣٥٩ و ٢ : ٧٤ و ٩٦ و ١٢٦ و ٢٤٦ و ٣٤٣ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٩١ ، تفسير ابن كثير ٤ : ١٢٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨ ، الصواعق المحرقة : ١٥٢ ، الجامع الصغير ٢ :