وكان ابن عباس أول من تكلم في القرآن من خلال اللغة ، فكان يفسر آي القرآن الكريم من خلال معرفته باللغة والشعر ، وكان يقول : «إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإن الشعر ديوان العرب». (١) وأسئلة نافع بن الأزرق عن ابن عباس في غريب القرآن وأجوبة ابن عباس له من خلال شعر العرب معروفة يرويها السيوطي في (الإتقان). (٢)
ومما ورد في هذه الأسئلة أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قول الله عز وجل : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (٣) ما السنة؟
قال ابن عباس : «النعاس» واستشهد بقول زهير :
لا سنة في طوال الليل تأخذه |
|
ولا ينام ولا في أمره فند (٤) |
لكن عبدالله بن عباس رغم ذلك لم يتجاوز هذا الحد من التفسير من خلال اللغة وشعر العرب ، وبقي الصحابة ومن بعدهم التابعون ومن بعدهم علماء القرآن إلى أواسط القرن الرابع الهجري يلتزمون بمنهج التفسير بالمأثور ، وقل من خرج على هذا النهج خلال هذه الفترة ، وبقي المنهج السائد في تفسير القرآن هو التفسير بالمأثور.
وفي وقت متأخر ، في أواخر القرن الرابع الهجري يبدأ العلماء باستخدام الرأي في التفسير ، وتبرز تفاسير حافلة بالرأي ، ويستمر هذا الرأي في النضج والتكامل إلى الوقت الحاضر.
ويذهب هؤلاء العلماء إلى أن الذي يشجبه الإسلام من التفسير بالرأي هو الرأي المذموم ، وهو القول في القرآن بغير علم ولا هدى ، وأما الكلام في القرآن بعلم ودليل وبرهان ، فليس من الرأي المذموم ، وإنما هو من الرأي الممدوح الذي لا ضير فيه.
يقول ابن كثير في أول تفسيره بعد أن يذكر طائفة من الروايات عمن كان يتهيب ويتحرج من التفسير بالرأي :
«فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه ، فأما من تكلم بما يعلم ذلك من لغة وشرع فلا حرج عليه ، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ، ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه». (٥) وقال البيهقي في (شعب الإيمان) : «هذا إن صح فإنما أراد ـ والله أعلم ـ الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه ، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل ، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به. وأما الرأي الذي يسنده
__________________
(١) تفسير القرطبي ١ : ٢٤.
(٢) الإتقان ٢ : ٦٧.
(٣) البقرة ٢ : ٢٥٥.
(٤) تفسير القرطبي ١ : ٢٥.
(٥) تفسير ابن كثير ١ : ٧.