برهان فالحكم به في النوازل جائز». (١)
ومهما يكن من أمر فقد نشط التفسير بالرأي بالمعنى السليم للرأي في العالم الإسلامي منذ هذا التاريخ ، من دون إنكار تقريبا من قبل جمهور علماء المسلمين ، واتسعت حركة التفسير بالرأي ، وساهم في هذه الحركة كل المذاهب الفكرية الإسلامية تقريبا ، وأبرز هذه المذاهب : الإمامية ، والأشاعرة ، والمعتزلة.
وقد ألف الشيخ الطوسي ، من أبرز فقهاء الإمامية ، (تفسير التبيان) بهذا الاتجاه ، وألف فخر الدين الرازي من الأشاعرة (التفسير الكبير) بهذا الاتجاه أيضا ، كما ألف جار الله الزمخشري من المعتزلة (تفسير الكشاف) في نفس الاتجاه.
وأصبح التفسير بالرأي مقبولا من قبل الجميع ، ولكن الرأي الذي يسنده الدليل والبرهان القطعي ، أما الرأي الذي لا يسنده دليل وبرهان ، ويعتمد الظن فلا يغني عن الحق شيئا.
على أن التفسير بالرأي يجب ألا يتجاوز حدود محكمات القرآن ، أما متشابه القرآن فلا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ، ولا يصح أن يعتمد المفسر رأيه في تفسير متشابهات القرآن ، ولسنا الآن بصدد تفصيل وشرح هذه النقطة.
٢ ـ التفسير بالمأثور : ذكرنا أن التفسير بالمأثور كمنهج علمي ومدرسة في تفسير القرآن ، في مقابل التفسير بالرأي ، لم يعد له وجود فعلي ومؤثر في الوقت الحاضر. فقد أصبح تفسير القرآن بالرأي هو المنهج السائد.
ولكن يبقى «الحديث» هو المصدر الأول ـ بعد القرآن ـ في تفسير القرآن ، ولا يستغني المفسر عن «الحديث» في تفسير القرآن ، فلا رأي في مقابل «الحديث» ، ولا رأي في عرض الحديث ، وإنما يصح الرأي إذا كان لا يعارض الحديث ، ولا بد إذن أن يتأكد المفسر من الروايات الواردة في تفسير الآية ، قبل أن يمارس هو فيها الرأي والنظر والاجتهاد.
ولذلك فإن الاهتمام بالروايات الواردة في تفسير القرآن يعتبر من مقومات الجهد العلمي في تفسير القرآن ، ومن هنا اهتم نفر من العلماء المتخصصين في القرآن بتجميع وتنظيم الروايات الواردة في تفسير القرآن لتيسير مهمة مفسري القرآن.
فمن تفاسير أهل السنة في هذا الحقل :
١ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، لجلال الدين السيوطي.
٢ ـ تفسير ابن كثير.
٣ ـ تفسير البغوي.
ومن تفاسير الشيعة :
١ ـ تفسير العياشي.
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ٢ : ١٧٩.