وقولُ الشَّاعر :
خَلِيلُ خَوْدٍ غَرَّهَا شَبَابُهُ |
أَعْجَبَهَا إِذْ كَثُرَتْ رِبَابُهُ |
عَنْ أَبِي عمْرٍو : الرُّبَّى : أَوَّلُ الشَّبَابِ ، يقالُ أَتَيْتُهُ فِي رُبَّى شَبَابِهِ ورِبَّان شَبَابِهِ ، ورِبَابِ شَبَابِهِ ، قال أَبُو عبيدٍ : الرُّبَّانُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ : حِدْثَانُه.
وفي الصّحَاح : رُبَّ ورُبَّتَ* ورُبَّمَا ورُبَّتَمَا بِضَمِّهِنَّ مُشَدَّدَاتٍ ومُخفَّفَاتٍ وبِفَتْحِهنَّ كذلكَ ، ورُبٌ بِضَمَّتَيْنِ مُخَفَّفَةً ، ورُبْ كَمُذْ (١) قال شيخُنَا : حَاصِلُ ما ذَكَرَه المُؤَلِّفُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لُغَةً ، وهو قُصُورٌ ظاهِرٌ ، فقد قال شيخُ الإِسلام زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ في شَرْحِ المُنْفَرِجَةِ الكَبيرِ له ما نَصُّهُ : في رُبَّ سَبْعُونَ لُغَةً ضَمُّ الراءِ وفتحُهَا مع تَشْدِيدِ البَاءِ وتَخْفِيفِهَا مفتوحةً في الضَّمِّ والفَتْحِ ، ومضمومةً في الضَّمِّ ، كُلٌّ مِنَ السِّتَّةِ مع تَاءِ التأْنِيثِ ساكنةً أَو مفتوحةً أَو مضمومةً أَو مَعَ مَا ، أَو مَعَهُمَا بأَحْوَالِ التَّاءِ ، أَو مجردةً منهما ، فذلك ثَمَانٍ وأَرْبَعُونَ ، وضَمُّهَا وَفَتْحُهَا مع إِسْكَانِ البَاءِ ، كُلٌّ منهما مع التَّاءِ مفتوحةً أَو مضمومةً ، أَو مع مَا ، أَو مَعَهُمَا بحالَتَيِ التاءِ ، أَو مجردةً ، فذلك اثْنَتَا عَشْرَةَ ، ورُبت ، بضم الراءِ وفتحها مع إِسْكَانِ الباءِ أَو فَتْحِهَا أَو ضَمِّهَا ، مُخَفَّفَةً أَو مُشَدَّدَةً في الأَخيرتَيْنِ ، فذلك عشرة ، حَرْفٌ خَافِضٌ على الصواب ، وهو المختارُ عند الجمهور خلافاً للكوفِيِّينَ والأَخْفَشِ ومَنْ وَافَقَهُمْ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى نَكِرَةٍ وقال ابن جِنِّي : أَدْخَلُوا رُبَّ على المُضْمَرِ وهو على نِهَايَةِ الاختصاصِ وجَازَ دُخُولُهَا عَلَى المَعْرِفَةِ في هذا المَوْضِعِ لِمُضَارَعَتِهَا النَّكِرَةَ بِأَنَّهَا أُضْمِرَتْ عَلَى غَيْرِ تَقَدُّمِ ذِكْرٍ ، ومن أَجْلِ ذلك احتاجت إِلى تَفْسِيرٍ (٢) ، وحَكَى الكوفيونَ مُطَابَقَةَ الضَّمِيرِ للتَّمْيِيزِ : رُبَّهُ رَجُلاً قَدْ رَأَيْتَ ، ورُبَّهُمَا رَجُلَيْنِ ، ورُبَّهُمْ رِجَالاً ، ورُبَّهُنَّ نِسَاءً ، فَمَنْ وَحَّدَ قَالَ : إِنَّهُ كِنَايَةٌ عن مَجْهُولٍ ، ومَنْ لم يُوَحِّدْ ، قالَ : إِنَّهُ رَدُّ كَلَامٍ ، كَأَنَّهُ قِيل لهُ : مَا لَكَ جَوَارٍ ، قالَ (٣) : رُبَّهُنَّ جَوَارٍ قَدْ مَلَكْتُ ، وقال أَبُو الهَيْثَم : العَرَبُ تَزِيدُ في رُبَّ هاءً ، وتجعلُ الهاءَ اسماً مجهولاً لا يُعْرَفُ ، ويَبْطُلُ معها عَمَلُ رُبَّ فلا تخفض (٤) بها ما بَعْدَ الهاءِ ، وإِذَا فَرَقْتَ بين كم التي تَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ بشَيْءٍ بَطَلَ عنها عَمَلُهَا. وأَنشد :
كَائِنْ رَأَيْتَ وَهَايَا صَدْعِ أَعْظُمِهِ |
وَرُبَّه عَطِباً أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ (٥) |
نَصَبَ عَطِباً مِنْ أَجْلِ الهَاءِ المَجْهُولَةِ وقولُه : رُبَّهُ رَجُلاً ، ورُبَّهَا امْرَأَةً أَضْمَرَتْ فيها العَرَبُ على غير تقدم ذِكر. [ثم] (٦) أَلْزَمَتْهُ التَفْسِيرَ ولم تَدَعْ أَنْ تُوَضِّحَ ما أَوقعت به الالتباسَ ، ففسره (٧) بِذكرِ النوعِ الذي هو قولهم : رَجُلاً وامْرَأَةً ، كذا في لسان العرب ، أَو اسمٌ وهو مذهب الكوفيينَ والأَخفشِ في أَحَدِ قَوْلَيهِ ، ووافقهم جماعةٌ ، قال شيخُنَا : وهو قول مردودٌ تعرَّضَ لإِبطاله ابنُ مالك في التسهيل وشرحه ، وأَبْطَلَه الشيخ أَبو حَيَّانَ في الشرح ، وابن هشام في المُغْنِي وغيرُهم وقِيل : كَلمة تَقلِيلٍ دائماً ، خلافاً للبعض ، أو في أَكثرِ الأَوقاتِ ، خلافاً لقومٍ أَو تَكْثِيرٍ دائماً ، قاله ابن دُرُسْتَوَيْهِ ، أَو لَهُمَا ، في التهذيب : قال النحويونَ رُبَّ مِنْ حُرُوفِ المَعَاني ، والفَرْقُ بَيْنَها وبينَ كَمْ أَن رُبَّ للتقليل وكمْ وُضِعَت للتكثيرِ إِذا لم يُرَدْ بها الاستفهام ، وكلاهُمَا يقع على النَّكِرَاتِ فيخفضها ، قال أَبو حاتمٍ : من الخطإ قول العَامَّةِ : رُبَّمَا رَأَيْتهُ كَثِيراً ، ورُبَّمَا إِنَّمَا وُضِعَتْ للتقليل ، وقال غيرهُ : رُبَّ ورَبَّ ورُبَّةَ كلمة تقليل يُجَرُّ بها (٨) فيقال : رُبّ رجلٍ قائمٌ [ورَبّ رجُلٍ] وتدخل عليها (٩) التاءُ فيقال : رُبَّتَ رَجل وَرَبَّتَ رَجلٍ وقال الجوهريّ : وتدخل عليه ما ليمكن أَن يتكلم بالفعل بعده فيقال : رُبَّمَا ، وفي
__________________
(*) بالقاموس : ورُبَّةَ.
(١) بهامش القاموس : «بدله في نسخة المؤلف هكذا : ورَبَّ ورُبَّةُ ورَبَّتْ ويخفف الكل ورُبُّ ورُب كمُدْ ورُبَّما ورَبَّما ورُبَّتُما ورَبَّتَما ويخفف الكل حرف خافض».
وقوله : «وفي الصحاح» فالعبارة في الصحاح ورب حرف خافض لا يقع إلا على نكرة ، يشدد ويخفف وقد تدخل عليه التاء فيقال رُبّت وتدخل عليه ما ... وقد تدخل عليه الهاء فيقال رُبَّه.
(٢) في اللسان : احتاجت إلى التفسير بالنكرة المنصوبة نحو رجلاً وامرأة ، ولو كان هذا المضمر كسائر المضمرات لما احتاجت إلى تفسيره.
(٣) اللسان : فقال
(٤) اللسان : يخفض.
(٥) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله م العطب أي من العطب فحذف النون تخفيفاً وينشد في كتب النحو : وربه عطباً أنقذت من عطبه.»
(٦) زيادة عن اللسان.
(٧) اللسان : ففسروه.
(٨) عن اللسان ، وبالأصل «ويخبر بها».
(٩) اللسان : عليه.