التنزيل العزيز (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) وبعضهم يقول : رَبما بالفَتْحِ وكذلك رُبَّتَمَا وَرَبَّتَمَا وربما (٢) وربما والتقليل في ذلك (٢) أَكثرُ في كلامهم ، ولذلك إِذا حَقَّرَ (٣) سيبويه رُبَّ من قوله تعالى (رُبَما يَوَدُّ) رَدَّهُ إِلى الأَصْلِ ، فقال : رُبَيْبٌ ، قال اللِّحْيانيّ ، قَرَأَ الكسائيّ وأَصحابُ عبدِ الله والحَسَن رُبَّمَا يَوَدُّ بالتثقيل ، وقرأَ عاصمٌ وأَهل المدينة وزِرُّ بن حُبَيْشٍ (رُبَما يَوَدُّ) بالتخفيف ، قال الزّجّاج : مَنْ قَالَ إِنَّ رُبَّ يُعْنَى بها التَّكْثِيرُ ، فهو ضِدُّ مَا تَعْرِفهُ العَرَب ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَلِمَ جَازَتْ رُبَّ في قوله [تعالى] (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ورُبَّ للتقليل ، فالجَوَابُ في هذا أَنَّ العربَ خوطِبت بما تَعْلَمُه في التهديد ، والرجل يَتَهَدَّدُ (٤) الرجلَ فيقول : سَتَنْدَم عَلَى فِعْلِكَ ، وهو لا يشكُّ في أَنه يَنْدَم ، ويقول : رُبَّمَا نَدِمَ الإنسانُ من مثلِ ما صَنَعْت ، وهو يعلمُ أَن الإِنسانَ يندمُ كثيراً ، قال الأَزهريّ : والفَرْقُ بين رُبَّمَا ورُبَّ أَنَّ رُبَّ لا يَلِيهِ غيرُ الاسمِ ، وَأَمَّا رُبَّمَا فإِنه زِيدَت مَا مَع رُبَّ لِيَلِيَهَا الفِعْلُ ، تقولُ رُبَّ رجُلٍ جَاءَنِي ورُبَّمَا جَاءَنِي زَيْدٌ ، ورُبَّ يَوْمٍ بَكَّرْتُ فيه ، ورُبَّ خَمْرَةٍ شَرِبْتُهَا ، وتقول : رُبَّمَا جَاءَنِي فلانٌ ورُبَّمَا حَضَرَنِي زَيْدٌ ، وأَكْثَرُ ما يَلِيهِ الماضي ، ولا يَليه مِن الغابرِ إِلَّا مَا كانَ مُسْتَيْقَناً ، كقوله [تعالى] (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وَوَعْدُ (٥) اللهِ حَقٌّ ، كَأَنَّه قد كان ، فهو بمعنى ما مَضَى ، وإِن كان لفظُه مُسْتَقْبَلاً ، وقد تَلِي رُبَّمَا الأَسْمَاءُ وكذلك رُبَّتَمَا وقال الكسائيُّ : يَلْزَمُ (٦) مَنْ خَفَّفَ فأَلْقَى أَحدَ البَاءَيْنِ أَن يقولَ : رُبْ رَجُلٍ ، فَيُخْرِجَه مُخْرَجَ الأَدَوَاتِ ، كما تقول : لِمَ صَنَعْتَ؟ ولِمْ صَنَعْتَ؟ (٧) وقالَ : أَظُنُّهُمْ إِنَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ جَزْمِ البَاءِ لكَثْرَةِ دُخُولِ التاءِ فيها في قولهم : رُبَّتَ رَجُلٍ ورُبَتَ رَجُلٍ ، يريدُ الكسائِيّ : أَن تَاءَ التأْنِيثِ لا يكونُ ما قَبْلَهَا إِلا مفتوحاً أَو في نِيَّةِ الفَتْحِ ، فَلَمَّا كانت تاءُ التأْنِيثِ تدخلُهَا كثيراً امتنعوا من إِسْكَانِ ما قَبلَ هاءِ التأْنِيثِ فآثَروا (٨) النَّصْبَ ، يعنِي بالنَّصْبِ الفَتْحَ ، قال اللِّحْيَانيُّ : وقال لي الكسائيّ : إِنْ سَمِعْتَ بالجَزْمِ يَوْماً فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ ، يُرِيدُ : إِنْ سَمِعْتَ أَحَداً يقولُ : رُبْ رَجُلٍ فَلَا تُنْكِرْهُ ، فَإِنَّهُ وَجْهُ القِيَاسِ ، قال اللِّحْيَانيّ : ولَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ رَبَّمَا ، بالفَتْحِ ، وَلَا رَبَمَا ، كذا في لسان العرب أَوْ فِي مَوْضِع المُبَاهَاةِ والافْتِخَارِ دونَ غيره للتَّكْثِيرِ ، كما ذَهب إِليه جماعةٌ من النحويينَ أَوْ لمْ تُوضَعْ لتقليلٍ ولا تكثيرٍ بل يُسْتَفَادَانِ من سِيَاقِ الكلام خِلَافاً للبَعْضِ وقد حَرَّرَهُ البَدْرُ الدَّمَامِينِيُّ في التُّحفة ، كما أَشار إِليه شيخُنا ، وقال ابن السَّرَّاج : النحويّونَ كالمُجْمِعِينَ على أَنّ رُبَّ جوابٌ.
واسْمُ جُمَادَى الأُولَى عند العرب رُبَّى ورُبٌّ ، واسم جمادى الآخِرَةِ رُبَّى ورُبَّةُ عن كُرَاع واسمُ ذِي القَعْدَةِ رُبَّةُ ، بِضَمِّهِنَّ (٩) وإِنَّمَا كَانُوا يسمونَهَا بذلك في الجَاهِليّة ، وضَبَطَه أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ بالنُّونِ ، وقال هو اسمٌ لجُمَادَى الآخِرَةِ وخَطَّأَهُ ابنُ الأَنْبَارِيّ وأَبُو الطيّبِ وأَبُو القَاسِم الزَّجّاجِيّ ، كما سيأْتِي في ر ن ن.
والرَّابَّةُ : امْرَأَةُ الأَب ، وفي حديثِ مُجَاهِدٍ «كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ رَابِّهِ» يَعْنِي امْرَأَةَ زَوْجِ أُمِّهِ لأَنَّه كان يُرَبِّيهِ (١٠) ، وقد تقدَّم ما يتعلّق به من الكَلَام.
والرُّبُّ بالضَّمِّ : هو ما يُطْبَخُ من التَّمْرِ (١١) ، والرُّبُّ : الطِّلَاءُ الخَاثِرُ ، وقِيلَ هو دِبْسٌ ، أَي سُلَافَةُ خُثَارَةِ كُلِّ تَمْرَةٍ بعدَ اعْتِصَارِهَا والطَّبْخِ والجَمْعُ : الرُّبُوبُ والرِّبَابُ ، ومنه : سِقَاءٌ مَرْبُوبٌ إِذَا رَبَبْتَهُ أَي جَعَلْتَ فيه الرُّبَّ وأَصْلَحْتَه به ، وقال ابن دُريد : ثُفْلُ السَّمْنِ والزَّيْتِ ، الأَسْوَدُ ، وأَنشد :
كَشَائِطِ الرُّبِّ عَلَيْهِ الأَشْكَلِ
وفي صِفةِ ابنِ عباسٍ «كَأَنَّ عَلَى صَلَعَتِهِ الرُّبَّ من مِسْكٍ أَوْ عَنْبَر. إِذا وُصِفَ الإِنْسَانُ بحُسْنِ الخُلُقِ قِيلَ هُوَ السَّمْنُ لَا يَخُمُّ.
والحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ قَنَانٍ الرُّبِّيُّ : مُحَدِّثٌ (١٢)
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٣.
(٢) العبارة في اللسان : ورُبَتَما ورَبَتَما والتثقيل في كل ذلك.
(٣) اللسان : صغّر.
(٤) عن اللسان ، وبالأصل «يهدد».
(٥) ضبط المطبوعة الكويتية : «وَوَعَدُ» تصحيف.
(٦) ضبط المطبوعة الكويتية : «يَلَزَمُ» تصحيف.
(٧) بعدها في اللسان : وبأَيَّمَ جئتَ؟ وبأَيَّمَ جئتَ؟ وما أشبه ذلك.
(٨) اللسان : وآثروا.
(٩) في نسخة ثانية من القاموس : وذو القعدة : رُبّةُ بضمتين.
(١٠) في المقاييس ، الرابّ الذي يقوم على أمر الربيب ، وربيب الرجل ابن امرأته.
(١١) اللسان : الثمر.
(١٢) في إحدى نسخ القاموس : نسبة إلى الرُّبّ.