قال شيخُنا : وهذا نَقَله في «الكافي» عن قُدَامَةَ ، وقال : هو صادقٌ في جَميع وُجُوهِ السِّنَادِ ، ثم إِن السِّنَادَ كونُه اختلافَ الأَردافِ فقط هو قولُ أَبي عُبيدَةَ ، وقيل : هو كلُّ عَيْبٍ قَبْلَ الرَّوِيّ ، وهذا قول الأَكثر.
وفي شرح «الحاجبية» : السِّنادُ أَحَدُ عُيوبِ القَوافِي.
وفي شرح الدّمَامينيّ علي «الخَزرَجِيّة» قيل : «السِّنَاد : كُلُّ عَيْبٍ يَلحَق القافِيَةَ ، أَيّ عيبٍ كان. وقيل : هو كلُّ عَيْبٍ سِوَى الإِقواءِ ، والإِكفاءِ ، والإِيطاءِ ، وبه قال الزَّجَّاحُ. وقيل : هو اختلافُ ما قَبْلَ الرَّوِيِّ وما بَعْدَه ، من حَرَكَةٍ أَو حرْفٍ ، وبه قال الرُّمَّانِيُّ ، وغَلِطَ الجَوْهَرِيُّ في المِثَالِ والرِّوايةِ الصحيحةِ ، في قول عَبِيدِ بن الأَبرص :
فقد أَلجُ الخُدُورَ على العَذَارَى |
|
كَأَنَّ عُيُونَهُنَّ عُيونُ عِينِ |
ثم قال :
فإِن يَكُ فاتَنِي أَسَفاً شَبَابِي |
|
وأَصْبَحَ رَأْسُهُ مِثلَ اللَّجِينِ |
اللَّجِينُ ، بِفتح اللام ، لا بِضَمهّ ، كما ضَبَطَه الجَوهَريُّ فلا سِنادَ حينئذٍ واللَّجِين هو : الخِطمِيُّ المُوخَفُ وهو يُرْغِي وَيشهَابُّ عِندَ الوَخْفُ. وسيأْتِي الوَخْفُ. والذي ذكَرَه المُصنِّف من التصويب ، للخُرُوجِ من السِّنَادِ هو زَعمُ جماعة. والعرب لا تَتحاشَى عن مِثله فلا يكون غلطاً منه ، والرِّواية لا تُعَارَضُ بالرواية.
وفي اللسان ، بعدَ ذِكْرِ البيتين : وهذا العَجُز الأَخير غَيَّره الجوهريُّ فقال :
وأَصبَحَ رأْسُهُ اللُّجَيْنِ
والصحيح الثابت :
وأَضْحَى الرَّأْسُ مِنّي كاللَّجِينِ (١)
والصواب في إِنشادِهما تَقْدِيمُ البيت الثاني علي الأَوّل.
وقد أَغفلَ ذلك المصنِّفُ. ورُويَ عن ابن سَلَّامٍ أَنه قال : السِّنَاد في القوافي مثل : شَيْبٍ وشِيبٍ ، وسانَدَ فلانٌ في شِعْرِه. ومن هذا يقال : خَرَجَ القَوْمُ مُتَسَانِدِينَ. وقال ابن بُزُرْج : أَسْنَدَ في الشِّعْر إِسناداً بمعنى سَانَد ، مثل إِسْنادِ الخَبَرِ ، ويقال سانَدَ الشاعِرُ ، إِذا نَظَم كذلكَ وعن ابن سيده : سانَدَ شِعْرَه سِنَاداً ، وسانَدَ فيه ، كلاهما خَالَفَ بين الحَرَكَاتِ الّتي تَلِي الأَرْدافَ (٢).
قال شيخُنَا : وقد اتَّفَقُوا على أَنَّ أَنواعَ السِّنَادِ خمسةٌ : أَحدُها : سِنَادُ الإِشباعِ ، وهو اختلافُ حرَكِة الدَّخِيل ، كقول أَبي فِراسٍ :
لَعَلَّ خَيالَ العامِرِيَّةِ زائِرُ |
|
فَيُسْعَدَ مَهْجُورٌ ويُسْعَدَ هاجِرُ |
ثم قال :
إِذا سَلَّ سَيْفُ الدَّوْلةِ السَّيْفَ مُصْلَتاً |
|
تَحَكَّمَ في الآجالِ يَنْهَي ويامُرُ |
فحركة الدَّخِيل في هاجِر : كسرة. وفي يامُرُ : ضَمّة.
وهذا مَنعَه الأَخفَشُ ، وأَجازه الخليلُ ، واختاره ابنُ القَطَّاع.
وثانيها : سِنَادُ التَّأْسيس ، وهو تَرْكُه في بيتٍ دونَ آخرَ ، كقول الشاعِرِ الحَمَاسِيّ :
لوَ أَنَّ صُدُورَ الأَمْر يَبْدُونَ للفَتَى |
|
كأَعْقَابِهِ لم تُلْفِهِ يَتَنَدَّمُ |
إِذا الأَرْضُ لم تَجْهَل عليَّ فُرُوجُها |
|
وإِذْ لِيَ عن دَارِ الهَوَان مُرَاغَمُ |
وثالثها : سِنَاد الحَذْوِ ، وهو اختلافُ حَرَكةِ ما قبلَ الرِّدْف ، كقوله :
كأَنَّ سُيوفَنا مِنَّا ومِنْهُمْ |
|
مَخَارِيقٌ بأَيْدِي اللَّاعِبِينا |
مع قوله :
كأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتونُ غُدْرِ |
|
تُصَفِّقُها الرياحُ إِذا جَرَيْنا |
__________________
(١) وهي روايته في اللسان.
(٢) زيد في اللسان : في الرويّ ، كقوله :
شربنا من دماء بني تميم |
|
بأطراف القنا حتى روينا |
وقوله فيها :
ألم تر أن تغلب بيت عزّ |
|
جبال معاقلٍ ما يرتقينا؟ |