قليلةٌ ، حكَاها السّيرَافي. قال الزَّجَّاج : معناه احفَظُوا عليه مالَهُ (حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ، فإِذا بلَغَ أَشُدَّه فادْفَعوا إِليه مالَه. قال : وبُلوغُه أَشُدَّه : أَن يُؤْنَسَ منه الرُّشْدُ مع أَنْ يكون بالِغاً. قال : وقال بعضُهم (حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) حتَّى يَبلُغ ثَمانِيَ عَشرةَ سَنةً ، قال أَبو إِسحاقَ : لسْتُ أَعرف ما وَجْهُ ذلك ، لأَنه إِن أَدْرَكَ قبلَ ثمانِي عَشَرةَ سَنةً وقد أُونِس منه الرُّشْدُ فطلَبَ دَفْع مالِه إِليه وَجَبَ له ذلك. قال الأَزهريُّ : وهذا صحيح ، وهو قولُ الشافِعِيّ وقولُ أَكثرِ أَهلِ العِلم. وفي الصّحَاح (حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أَي قُوَّتَهُ ، وهو ما بينَ ثَمَانِي عَشْرَةَ إِلى ثَلاثِينَ سَنَةً ، وقال الزَّجّاج : هو من نَحو سَبْعَ عَشْرةَ إِلى الأَربعينِ ، وقال مرَّةً : هو ما بينَ الثلاثين والأَربعين ، وهو مُذكَّر ومُؤَنّث (١) ، وفي التهذيب : وأما قولُه تعالى ، في قصّة موسى عليهالسلام : (وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (٢) فإِنَّه قَرَنَ بُلُوغَ الأَشُدِّ بالاستواءِ ، وهو أَن يَجتمع أَمرُه وقُوَّتُه ، ويكتَهِل وَيَنْتَهِي شَبَابُه (٣).
وأَمّا قولُه تعالَى في سورة الأَحقاف. (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (٤) فهو أَقصَى نِهَايَةِ بُلُوغِ الأَشُدِّ ، وعند تمامها بُعِثَ محمّدٌ ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، نَبِياًّ. وقد اجتمعَت حُنْكَتُه وتَمَام عَقْلِه ، فبُلوغُ الأَشُدِّ محصورُ الأَولِ ، محصورُ النِّهَايَةِ ، غيرُ محصورِ ما بين ذلك. قال الجوهَرِيُّ : وهو واحدٌ جاءَ على بِناءِ الجَمْعِ ، كآنُكٍ ، وهو الأُسْرُبُّ ولا نَظِير لَهُما.
قال شيخُنا : ولعلّ مرادَه : من الأَسماءِ المُطلقة التي استعملَتْها العربُ ، فلا يُنافِي وُرُودَ أَعْلامٍ على بلادٍ ، ككَابُل وآمُل ، وما يُبْديه الاستقراءُ ، أَو جَمْعٌ لا واحدَ له من لَفْظه مثل أَبابيلَ وعَبابِيدَ وَمذاكِير ، ذَهبَ إِليه أَحمدُ بن يَحيى ، فيما رواه عن أَبي عُثمانَ المازنيَّ. كذا في المحكم. وقاله السّيرافي أَيضاً. أَو واحِدُهُ شِدَّةٌ ، بالكسر كنِعْمة وأَنْعُمٍ ، نقله الجوهريُّ عن سيبويه ، وهو حَسنٌ في المعنَى ، يقال بلغَ الغلامُ شِدَّتَه. وقال أَبو الهَيْثَم : واحِد الأَنْعُم نِعْمَة وواحدة الأَشُدّ شِدَّة. مع أَن ، وفي نصّ عبارة سيبويْه : ولكنَّ فِعْلَة بالكسر لا تُجمَع على أَفْعُل ، أَو واحده شَدٌّ ، ككَلْبٍ وأَكْلُب ، وقال السّيرافيّ : القِيَاس : شَدٌّ وأَشُدٌّ ، كما يقال : قَدٌّ وأَقُدٌّ ، أَو واحده : شِدٌّ ، كذِئْبٍ وأَذْؤُبٍ ، قال أَبو الهَيثم : وكأَنَّ الهاءَ في النِّعمة والشِّدة لم تكن في الحرف ، إِذ كانت زائدةً ، وكأَن الأَصل (٥) : نِعْمَ وشِدَّ ، فجُمعا على أَفعُل ، كما قالُوا : رَجُلٌ ، وأَرْجُلٌ ، وضِرْس وأَضْرُس (٥).
وقال أَبو عُبَيْد : واحدها شَدٌّ ، في القِياسِ. ولم أَسمَع لها بواحدة.
وقال ابن جِنّي : جاءَ على حذف التّاءِ كما كان ذلك في نِعْمَة وأَنعُمٍ ونقل ابن جِنّي عن أَبي عبيد : هو جمع أَشَدٍّ ، على حذف الزيادة ، قال : وقال أَبو عبيدة : رُبما استُكْرِهُوا على حذْف هذه الزيادةِ في الواحد ، وأَنشد بيت عَنْتَرَةَ :
عَهْدِي به شَدَّ النَّهَارِ كأَنَّمَا |
|
خُضِبَ اللَّبَانُ ورأْسُه بالعِظْلِمِ |
أَي أَشَدَّ النَّهارِ ، يعنِي أَعلاه وأَمْتَعَه وما هُمَا أَي شَداًّ وشِداًّ بمسموعَيْن عن العرب بل قياسٌ ، كما يقولون في واحد الأبابيل : إِبَّوْل ، قياساً على عَجَّوْل ، وليس هو شيئاً سُمِع من العرب ، كما سبَقَت الإِشارة إِليه.
قال الفرَّاءُ : الأَشُدُّ ، واحدُهَا شَدٌّ ، في القِياس ، قال : ولم أَسمع لها بواحد. ومثْله عن أَبي عُبيد.
والشِّدةُ : النَّجْدةُ وثَبَاتُ القَلْب والشَّدِيدُ : الشُّجَاعُ والقَوِيُّ من الرجال ، والجمع : أَشِدَّاءُ وشِدَادٌ وشُدُدٌ ، عن سيبويه ، قال جاءَ على الأَصل لأَنه لم يُشْبه الفعل ، وقد شَدَّ يَشِدُّ بالكسر لا غير.
والشَّدِيد : البَخِيلُ ، وفي التنزيل العزيز : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٦) قال أَبو إِسحاق : إِنه من أَجْلِ حُبِّ المالِ لَبَخِيلٌ. وقال أَبو ذُؤَيب :
حَدَرْناهُ بالأَثْوَابِ في قَعْرِ هُوَّةٍ |
|
شَدِيدٍ على ماضُمَّ في اللَّحْدِ جُولُهَا |
أَراد : شَحِيحٍ على ذلك.
__________________
(١) اللسان : يذكر ويؤنث.
(٢) سورة القصص الآية ١٤.
(٣) زيد في التهذيب : وذلك ما بين ثماني وعشرين سنة إلى ثلاث وثلاثين سنة ، وحينئذٍ ينتهي شبابه.»
(٤) سورة الأحقاف الآية ١٥.
(٥) ضبطت العبارة عن اللسان. وفي التهذيب : وكأن الأصل نِعْمٌ وشِدٌّ ... كما قالوا : رِجْلٌ وأرْجُلٌ وقِدْحٌ وأَقدُحٌ وضِرْسٌ وأضْرُسٌ.
(٦) سورة العاديات الآية ٨.