عَلِمَه ، فالله قد دَلَّ على تَوحيدِهِ بجميع ما خَلَقَ ، فَبَيَّن أَنه لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَن يُنْشِئَ شيئاً واحداً مِمَّا أَنشأَ ، وشَهدَت المَلَائِكَةُ لما عايَنَتْ من عَظيمِ قُدْرَتِه ، وشَهِد أُولو العِلْمِ بما ثَبَت عِنْدَهم وَتَبيَّن مِن خَلْقِه الّذِي لا يَقْدِرُ عليه غيرُه. وقال أَبو العَبَّاسِ : (شَهِدَ اللهُ) : بَيَّن الله وأَظْهَرَ. وشَهِدَ الشاهِدُ عند الحاكِمِ ، أَي بَيَّن ما يَعْلَمُه وأَظْهَرَه.
وفي قَولِ المؤذِّنِ : أَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلّا الله وأَشهَدُ أَنَّ محمداً رسولُ الله. قال أَبو بكر بن الأَنباريِّ : أَي أَعْلَمُ أَن لا إِلهَ إِلّا الله وأُبَيِّنُ أَن لا إِلهَ إِلا الله (١).
وأَشْهَدَهُ إِمْلَاكَه : أَحْضَرَهُ. وأَشْهَدَ فُلَانٌ : بَلَغَ ، عن ثَعْلَبَ. وأَشْهَدَ : اشْقَرَّ ، واخضَرَّ مِئْزَرُه. وأَشْهَدَ : أَمْذَى ، كشَهَّدَ تَشْهِيداً ، وهذه عن الصاغانيّ ، إِلا أَنه قال في تفسيره : أَكْثَرَ مَذْيَه. والمَذْيُ عُسَيلةٌ.
وعن أَبي عمرٍو : أَشْهَدَ الغُلامُ ، إِذا أَمْذَى وأَدرَكَ ، وأَشْهَدَت الجاريةُ إِذا حاضَتْ وأَدْرَكَتْ ، وأَنشد :
قامَتْ تُنَاجِي عامِراً فأَشهَدَا |
|
فَدَاسَها لَيْلَتَهُ حَتَّى اغْتَدَى |
وعن الكسائيّ : أُشْهِدَ الرَّجلُ ، مجهولاً : قُتِلَ في سبيلِ الله شَهِيداً كاستُشْهِدَ : رُزِقَ الشَّهَادَة فهو مُشْهَدٌ ، كمُكْرَمٍ ، وأَنشد :
أَنا (٢) أَقُولُ سأَمُوتُ مُشْهَدَا
والمَشْهَد ، والمَشْهَدةُ ، والمَشْهُدَةُ بالفتح في الكلّ ، وضَمّ الهاءِ في الأَخير ، الأَخِيرَتَان عن الفَرّاءِ في نوادره مَحْضَرُ الناسِ ومَجْمَعُهم. ومَشَاهِدُ مكَّةَ : المواطِنُ الّتي يَجتمعون بها ، من هذا.
وشُهُودُ النّاقَةِ بالضّمّ : آثَارُ مَوْضِعِ مَنْتِجها ، أَي المَوْضِع الّذي أُنْتِجَت فيه ، من دَمٍ أَو سَلًى وفي بعض النُّسخ : من سلًى أَو دَمٍ.
وكزُبَيْرٍ : الشيخ الزَّاهِدُ عُمَرُ ، هكذا في النُّسخ.
والصواب : عُمَيْر بن سَعْدِ بنِ شُهَيْدِ بن عَمْرٍو أَميرُ حِمْصَ صحابِيٌّ وكان يقال له : نَسِيجُ وَحْدِه. وأُخْتُه سَلَّامةُ بنْت سَعْد ، لها ذِكْر.
وأَبو عامر أَحمدُ بنُ عبدِ الملك بنِ أَحمدَ بنِ عبد المَلِك بن عمر بن محمّد بن عيسى بن شُهَيْدٍ الأَشْجَعِيّ الأَديبُ مؤلّف كتاب «حانُوت العَطَّار». وُلِدَ بِقُرْطُبَة سنة ٣٧٢ (٣) ووَرِث الرُّتْبَةَ والجَلالَةَ عن أَسْلافِه ، وتوفِّي سنة ٤٢٦ (٤) ، وعلى رُخَامةِ قَبْرِه من شِعْرِهِ :
يا صاحِبي قُمْ فقَد أَطَلْنا |
|
أَنَحْنُ طُولَ المَدَى هُجُودُ |
فقال لِي لنْ نقومَ منها |
|
ما دامَ مِن فَوقِنا الجَليدُ |
تَذْكُرُ كَمْ لَيلةٍ نَعِمْنا |
|
في ظِلِّهَا والزَّمانُ عِيدُ |
وكَمْ سُرورٍ هَمَى علينا |
|
سَحابُهُ بِرُّهُ يَجُود |
كُلُّ كأَنْ لم يَكُنْ تَقَضَّى |
|
وشُؤْمُه حاضرٌ عَتِيدُ |
حَصَّلَه كاتِبٌ حَفِيظ |
|
وضَمَّه صادِقٌ شَهِيد |
يا وَيْلَنَا إِن تَنَكَّبَتْنا |
|
رَحْمةُ مَنْ بَطْشُهُ شَدِيدُ |
يا ربِّ عَفْواً فأَنتَ مَوْلَى |
|
قَصَّرَ في أَمْرِكَ العَبِيدُ |
وأَبوه أَبو مَروان ، عبدُ الملك بن أَحمد بن عبد الملك بن شُهَيْد القُرْطُبِيّ رَوَى عن قاسم بن أَصْبَغ وغيره ، ومات سنة ٣٩٣. وعبدُ الملك بن مَرْوَان بن شُهَيْد ، أَبو الحسن القُرْطبيّ مات سنة ٤٠٨ ذَكَرهما ابن بَشْكُوال.
* ومما يستدرك عليه :
الشَّهادة اليَمينُ ، وبه فُسِّر قولُه تعالى : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) (٥).
__________________
(١) هذه عبارة اللسان وزيد في التهذيب : وقوله : أشهد أن محمداً رسول الله : أعلم وأبيّن أن محمداً رسول الله.
(٢) التهذيب : إني.
(٣) ترجم له في معجم الأدباء ٣ / ٢٢٠.
(٤) معجم الأدباء : سنة ٣١٢ وردت بالأحرف. وفي وفيات الأعيان ١ / ١٢٠ فكالأصل.
(٥) سورة النور الآية ٦.