والرَّكْضَةُ : الدَّفْعَةُ والحَرَكَةُ ، ومنه حَديثُ ابن عَبَّاسٍ ، رَضيَ الله عَنْهُمَا ، في دَمِ المُسْتَحَاضَةِ «إِنَّمَا هو عِرْقٌ عاندٌ ، أَو رَكْضَةٌ من الشَّيْطَان».
قال ابنُ الأَثير : أَصْلُ الرَّكْضِ الضَّرْبُ بالرِّجْل. أَرادَ الإِضْرَارَ بها والأَذَى. والمَعْنَى أَنّ الشَّيْطَانَ قد وَجَدَ بذلكَ طَريقاً إِلى التَّلْبِيس عليها في أَمْرِ دِينهَا وطُهْرِها وصَلَاتِهَا ، حَتَّى أَنْسَاهَا ذلكَ عَادَتَهَا ، وصارَ في التَّقْدير كَأَنَّهُ يَرْكُضُ بِآلَةٍ من رَكَضَاتِهِ.
وقال شَمِرٌ : يُقَال : هو لَا يَرْكُضُ المَحْجَنَ ، أَيْ لا يَدْفَعُ عن نَفْسه ، نقله الصَّاغَانِيّ ، وفسَّرَهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ فقال : أَي لا يَمْتَعِضُ من شَيْءٍ ، ولا يَدْفَعُ عن نَفْسِهِ ، نقله صاحِبُ اللّسَان.
ورُكِضَ الفَرَسُ ، كعُنِيَ فَرَكَضَ هو : عَدَا ، فهو راكِضُ ورَكُوضٌ (١) يُقَالُ : فُلانٌ يَرْكُضُ دَابَّتَه وهو ضَرْبُه مَرْكَلَيْهَا بِرِجْلَيْهِ ، فلمّا كَثُرَ هذا على أَلْسِنَتِهِمْ اسْتَعْمَلُوهُ في الدَّوَابِّ فقالُوا : هي تَرْكُضُ ، كَأَنَّ الرَّكْضَ منها.
وفي الصّحاح والعُبَاب : رَكَضْتُ الْفَرَسَ بِرِجْلِي : إِذا استَحْثَثْتَهُ لِيَعْدُوَ ، ثمّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ رَكَضَ الفَرسُ ، إِذا عَدَا ، وأَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ :
قد سَبَقَ الجِيَادَ وهْوَ رَابِضُ |
|
فكَيْفَ لا يَسْبِق وهْوَ رَاكِضٌ |
وليس بالأَصْل. والصَّوابُ رُكِضَ الفَرَسُ. على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه ، فهو مَرْكُوضٌ. قلت : ومثله نُقِلَ عن الأَصْمَعِيّ ، فإِنَّهُ قال : رُكِضَت الدَّابَّةُ ، بغَيْر أَلفٍ ، ولا يُقَالُ رَكَضَ هُوَ ، إِنَّمَا هو تَحْرِيكُك إِيّاه سارَ أَوْ لَمْ يَسِرْ. وكأَنَّ المُصَنِّف نَظَر إِلى قول ابنُ دُرَيْدٍ السّابق فيما أَنْشَدُوهُ ، وإِلَى قَوْل سيبَوَيْه : جاءَت الخَيْلُ رَكْضاً ، وإِلى قَوْل شَمِرٍ ، فإِنَّهُ قال : قد وَجَدْنَا في كَلَامِهم : رَكَضَتِ الدَّابَّةُ في سَيْرها ، ورَكَضَ الطائرُ في طَيَرانه ، قال الشّاعرُ :
جَوَانِحُ يَخْلِجْنَ خَلْجَ الظِّبَا |
|
ءِ يَرْكُضْنَ مِيلاً ويَنْزِعْنَ مِيلَا (٢) |
وقال رُؤْبَة :
والنَّسْرُ قَدْ يَرْكُضُ وَهْوَ هَافِي (٣)
وقد يُجَابُ عن قَوْل شَمِرٍ هذا بأَنَّ ذلكَ إِنما هو بضَرْبٍ من المَجَاز. وقول الجَوْهَرِيّ : ولَيْس بالأَصْل يَدُلُّ على ذلكَ. ويُجَابُ عن قَوْل سِيبَوَيْه أَيْضاً أَنّه جيءَ بالمَصْدَر على غَيْرِ فعْلِه وليس في كُلّ شَيءٍ قيل مِثْل هذا ، إِنّمَا يُحْكَى منه ما سُمِعَ. فتأَمَّلْ.
ومن المَجَاز : قَعَدَ على مَرَاكِض الحَوْضِ ، وهي جَوَانِبه الَّتي يَضْرِبُهَا الماءُ.
ومن المَجَاز : المِرْكَضُ ، كمِنْبَرٍ : مِسْعَرُ النّارِ ، وقيلَ : هو الإسْطَامُ. قال عامرُ بْن العَجْلان (٤) الهُذَليّ :
تَرَمَّضَ من حَرَّ نَفَّاحَةٍ |
|
كما سُطِحَ الجَمْرُ بالمِرْكَضِ |
ومن المَجَاز : المِرْكَضَةُ ، بَهاءٍ : جَانِبُ القَوْسِ ، كما في الصّحاح. والَّذي قالَ ابنُ بَرّيّ : هُمَا مِرْكَضَا القَوْسِ.
وجَمَعَ بَيْنَهُمَا الزَّمَخْشَرِيّ فقال : قوْسٌ طَوْعُ المِرْكَضَيْن والمِرْكَضَتَيْن ، وهُمَا السِّيَتَانِ ، والجَمْعُ المَرَاكضُ ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرّيّ لأَبي الهَيْثَم التَّغْلَبيّ :
لَنا مَسائِحُ زُورٌ في مَرَاكِضِها |
|
لِينٌ ولَيْسَ بهَا وَهْيٌ ولا رَقَقُ |
ويُرْوَى قولُ الشّاعِرِ :
ومُرْكِضَةٌ صَرِيحيٌّ (٥) أَبُوها |
|
يُهَانُ لها الغُلَامَةُ والغُلَامُ |
بكَسْر الميم ، وهو نَعْتُ الفَرَسِ أَنَّهَا رَكَّاضَةٌ تَرْكُضُ الأَرْضَ بقَوَائمها إِذا عَدَتْ وأَحْضَرَتْ ، وهو مَجاز. قُلْتُ : والبَيْتُ لأَوْس بن غلْفاءَ التَّميميّ ، كما قاله ابن بَرِّيّ (٦). قال
__________________
(١) على هامش القاموس عن نسخة أخرى : «ومركوضُ» ومثله في اللسان والصحاح.
(٢) البيت في التهذيب ونسبه لزهير وهو في ديوانه / ٢٠٤.
(٣) الرجز ليس في ديوانه ، وهو للعجاج في ديوانه ص ٣٩ وفيه «هاف» بدون ياء ، والها في الذي يهفو بين السماء والأرض.
(٤) عن اللسان وبالأصل «العجلاني».
(٥) عن التهذيب واللسان وبالأصل «سريحي» وصريحي نسبه إلى صريح وهو فحل منجب. والبيت في اللسان «صرح» منسوباً لأوس بن غلفاء الهجيمي.
(٦) انظر اللسان «صرح».