وسَبَى ذَرَارِيَّهم وسارَ بالغَنَائمِ والسَّبْيِ إِلَى أَرْضِ نَجْدٍ ، ولَمْ يَحْضُرْهُمْ عَمْروٌ أَي لم يَشْهَدْ غارَةَ ضِرَارٍ عَلَيْهِمْ ، فحَضَر ، أَيْ قَدِمَ علَى قَوْمِهِ ، فقِيلَ لَهُ : إِنَّ ضِرَارَ بنَ عَمْرِو أَغارَ على الحَيِّ فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وذَرَارِيَّهُمْ فتَبِعَهُ عَمْرٌو فلَحِقَه قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلى أَرْضِهِ ، فَقَالُ عَمْرُو بنُ ثَعْلَبَةَ لضِرَارٍ : رُدَّ عَلَيَّ أَهْلِي ومَالِي. فرَدَّهُمَا عَلَيْه ، فَقَالَ : رُدَّ عَلَيَّ قِيَانِي ، فَرَدَّ عَلَيْه قَيْنَتَه الرائعَةَ ، وحَبَسَ ابْنَتَهَا سَلْمَى بِنْتَ عَطِيَّة بنِ وائلٍ. فَقالَ له حِينئذٍ : يا أَبا قَبِيصَةَ أَتْبع الفَرَسَ لِجَامَها.
وكانَ المُفَضَّلُ يَذْكُرُ أَنّ المَثَلَ لعَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ الكَلْبِيّ ، أَخِي عَدِيّ بنِ جَنَابٍ الكَلْبِيّ ، وكان ضِرارُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ ، فسَبَي يَوْمَئذٍ سَلْمَى بِنْتَ وَائِلٍ ، وكانَتْ يَوْمَئذٍ أَمَةً لعَمْرِو بن ثَعْلَبَةَ ، وهي أُمُّ النُّعْمَانِ بنِ المُنْذِرِ ، فمَضَى بِها ضِرَارٌ مع ما غَنِمَ ، فأَدْرَكَهُمْ عَمْرُو بنُ ثَعْلَبَةَ ، وكَانَ صَدِيقاً له وقال : أُنْشِدُكَ الإِخَاءَ والمَوَدَّةَ إِلَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ أَهْلِي. فجَعَلَ يَرُدُّ شَيْئاً شَيْئاً ، حَتَّى بَقِيَتْ سَلْمَى وكانَت قد أَعْجَبَتْ ضِرَاراً ، فأَبَى أَنْ يَرُدَّها ، فقالَ عَمْرٌو : يا ضِرَارُ ، أَتْبعِ الفَرَسَ لِجَامَها ، فَأَرْسَلَها مَثَلاً.
وِشَاةٌ مُتْبعٌ ، وبَقَرَةٌ مُتْبِعٌ ، وجارِيَةٌ مُتْبِعُ ، كمُحْسِنٍ في الكُلِّ : يَتْبَعُها وَلَدهَا ، ويُقَالُ : بَقَرَةٌ مُتْبِعٌ : ذَاتُ تَبِيعٍ ، وحَكَى ابنُ بَرِّيّ فيها : مُتْبِعَةٌ أَيْضاً ، وخَادِمٌ مُتْبِعٌ : يَتْبَعُهَا وَلَدُها حَيْثُمَا أَقْبَلَتْ وأَدْبَرَتْ ، وعَمّ بِه اللِّحْيَانِيّ ، فقال : المُتْبِعُ :الَّتِي مَعَهَا أَوْلَادٌ.
وِالإِتْبَاعُ في الكَلاهم مِثْلُ : حَسَنْ بَسَنْ ، وقَبِيح شَقِيح ، وشَيْطَان لَيْطان ، ونَحْوِهَا.
وِالتَّتْبِيعُ : التَّتَبُّعُ ، وقال اللَّيْثُ : أَمّا التَّتَبُّع ، فهُوَ أَنْ يَتَتَبَّع في مُهْلَةٍ شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ ، وفلانٌ يَتَتَبَّع مَسَاوِىءَ فُلان وأَثَرَهُ ، ويَتَتَبَّع مَدَاقَّ الأُمُور ، ونَحْوَ ذلِكَ.
وِالإِتْبَاعُ والاتِّباعُ ، الأَخِيرُ على افْتِعَالٍ ، كالتَّبَع ، يُقَالُ :أَتْبَعَهُ ، أَيْ حَذَا حَذْوَهُ. وقَال أَبُو عُبَيْدٍ : اتَّبَعْتُهُمْ مِثْلُ افْتَعَلْتُ ، إِذا مَرُّوا بِكَ فمَضَيْتَ ، وتَبِعْتُهُمْ تَبَعاً مِثْلُه. ويُقَالُ :ما زِلْتُ أَتَّبِعُهُمْ حَتَّى أَتْبَعْتُهُمْ ، أَيْ حَتَّى أَدْرَكْتُهُم. وقالَ الفَرّاءُ : أَتْبَعَ أَحْسَنُ مِنِ اتَّبَعَ ، لِأَن الاتِّباع أَنْ يَسِيرَ الرَّجُلُ وأَنْتَ تَسِيرُ وَرَاءَهُ ، فإِذا قُلْتَ : أَتْبَعْتُهُ فكَأَنَّكَ قَفَوْتَهُ. وقالَ اللَّيْثُ : تَبِعْتُ فُلاناً ، واتَّبَعْتُهُ ، وأَتْبَعْتُهُ سَوَاءٌ.
وِأَتْبَع فُلانٌ فُلاناً ، إِذا تَبِعَهُ ، يُرِيدُ بِهِ شَرًّا ، كَمَا أَتْبَعَ [الشيطانُ الذي انَسَلخَ من آيات الله ، (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) ، وكما أَتْبَعَ] (١) فِرْعَوْنُ مُوسَى.
ووَضَعَ القُطَامِيّ الاتِّبَاعَ مَوْضِعَ التَّتَبُّع مَجَازاً ، فقال :
وِخَيْرَ الأَمْرِ ما اسْتَقْبَلْتَ مِنْهُ |
|
وِلَيْسَ بِأَنْ تَتَبَّعَه اتِّبَاعَا |
قال سِيبَوَيْه : تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعاً لأَنَّ تَتَبَّعْتُ في مَعْنَى اتَّبَعْتُ.
وِالتِّبَاعُ ، بالكَسْرِ : الوِلَاءُ ، وقَدْ تابَعَهُ عَلَى كَذا ، قَالَ القُطَامِيّ :
فَهُمْ يَتَبَيَّنُونَ سَنَا سُيُوفٍ |
|
شَهَرْنَاهُنَّ أَيّاماً تِبَاعَا |
وِقَوْلُ أَبِي وَاقِدٍ الحارِثِ بنِ عَوْفٍ اللَّيْثِيِّ رضياللهعنه : «تَابَعْنَا الأَعْمَالَ فلَمْ نَجِدْ شَيْئاً أَبْلَغَ في طَلَب الآخِرَةِ مِن الزُّهْدِ في الدُّنْيَا» أَيْ مَارَسْنَاهَا وأَحْكَمْنا مَعْرفَتَهَا ، مِن قَوْلهم : تابَع البَارِي القَوْسَ : إِذا أَحْكَمَ بَرْيَهَا ، وأَعْطَى كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا حَقَّهُ ، قالَ أَبُو كَبِيرٍ الهُذَلِيُّ يَصِفُ قَوْساً :
وِعُرَاضَةِ السِّيَتَيْنِ تُوبِعَ بَرْيُهَا |
|
تَأْوِي طَوَائفُهَا بعَجْسٍ عَبْهَرِ (٢) |
وقالَ السُّكَّرِيّ : تُوبعَ بَرْيُهَا ، أَيْ جُعِلَ بَعْضُهُ يَتْبَعُ بَعْضاً.
قال الصّاغَانِيُّ : ومِنْهُ أَيْضاً الحَدِيثُ : «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ ، فإِنَّ المُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الفَقْرَ والذُّنُوبَ كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ».
وقال كُراع : قَوْلُ أَبِي وَاقِدٍ المَذْكُورُ مِن قَوْلِهِمْ : تَابَعَ فُلانٌ عَمَلَهُ وكَلَامَهُ ، إِذا أَتْقَنَهُ وأَحْكَمَهُ.
وِيُقَالُ : تَابَعَ المَرْعَى الإِبِلَ ، وعِبَارَةُ اللِّسَان : المَرْتَعُ المَالَ ، إِذا أَنْعَمَ تَسْمِيَنَهَا وأَتْقَنَهُ ، وهو مَجَازٌ : قال أَبُو وَجْزَةَ السَّعْدِيّ :
حَرْفٌ مُلَيكِيَّةٌ كالفَحْلِ تَابَعَهَا |
|
في خِصْبِ عَامَيْنِ إِفْرَاقٌ وتَهْمِيلُ |
وِكُلُّ مُحْكَمٍ مُبَالغٍ في الإِحْكَامِ مُتَابَعٌ (٣).
__________________
(١) زيادة عن التهذيب واللسان.
(٢) ديوان الهذليين ٢ / ١٠٣ وفيه «لعجس» بدل «بعجس».
(٣) في القاموس : «متَتَابع» وعلى هامشه عن نسخة أخرى : «مُتَابَع».