وقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ : جَدَعْتُه فجَدِعَ ، كما تَقُول : ضَرَبَ الصَّقِيعُ النَّبَاتَ فضَرِبَ ، وكَذلِكَ صَقِعَ ، وعَقَرْتُه فعَقِرَ ، أَي سَقَطَ.
وِجَدَعَتْه أُمُّه ، كمَنَعَ : أَساءَتْ غِذَاءَهُ ، عن الزَّجّاج ، ونَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ أَيْضاً ، كأَجْدَعَتْهُ إِجْداعاً وجَدَّعَتْهُ تَجْدِيعاً ، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ :
حَبَلَّقٌ جَدَّعَهُ الرِّعَاءُ
ويُرْوَى : أَجْدَعَهُ ، وهُوَ إِذا حَبَسَهُ عَلَى مَرْعى سَوْءٍ ، وهذا يُقَوِّي قَوْلَ أَبِي الهَيْثَمِ. المُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ.
وِجَدَاع ، كسَحَابٍ ، وقَطامِ ، وعَلَى الأَخِيرَةِ اقْتَصَر الجَوْهَرِيّ : السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ الَّتِي تَجْدَعُ بالمَال وتَذْهَبُ بِهِ ، كما في العُبَابِ والصّحاح. وفي اللّسَان : تَذْهَبُ بكُلِّ شَيْءٍ ، كأَنَّهَا تَجْدَعُهُ. وفي الأَسَاسِ : وأَجْحَفَتْ بهم جَدَاع ، وهي السَّنَةُ ، لِأَنَّهَا تَجْدَعُ النَّبَاتَ ، وتُذِلُّ النّاسَ ، وهو مَجَازٌ.
وفي العُبَابِ : قَالَ أَبو حَنْبَلٍ الطّائِيُّ ـ واسْمُه جَارِيَةُ بنُ مُرٍّ أَخُو بَنِي ثُعَلَ ـ :
لَقدْ آلَيْتُ أَغْدِرُ في جَدَاعِ |
|
وِإِنْ مُنِّيتُ أُمّاتِ الرِّباعِ |
لِأَنَّ الغَدْرَ فِي الأَقْوَامِ عَارٌ |
|
وِأَنَّ المَرْءَ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ |
وِقَوْلُهم في الدُّعاءِ عَلَى الإِنْسَانِ : جَدْعاً لَهُ ، أَي أَلْزَمَهُ الله الجَدْعَ ، قال الأَعْشَى :
دَعَوْتُ خَلِيلِي مِسْحَلاً ودَعَوْا لَهُ |
|
جُهُنّامَ ، جَدْعاً للْهَجينِ المُذَمَّمِ |
وكَذلِكَ عَقْراً له ، نَصَبُوهُمَا في حَدِّ الدُّعَاءِ علَى إِضْمَارِ الفِعْلِ غَيْر المُسْتَعْمَلِ إِظْهَارُه.
وِحَكَى سِيبَوَيْه : جَدَّعَهُ تَجْدِيعاً ، وعَقَّرَهُ تَعْقِيراً : قَالَ لَهُ ذلِكَ ، ومنهالحَدِيثُ : «فغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ رضياللهعنه فسَبَّ وجَدَّعَ» (١).
وِمِنَ المَجَازِ : جَدَع القَحْطُ النَّبَاتَ : إِذا لمْ يَزْكُ ، لانْقِطَاعِ الغَيْثِ عَنْهُ ، قالَ ابنُ مُقْبِل :
وِغَيْثٍ مَرِيعٍ لَمْ يُجَدَّعْ نَبَاتُهُ |
|
وَلَتْهُ أَفانِينُ السِّمَاكَيْنِ ، أَهْلَبِ |
وِحِمَارٌ مُجَدَّعٌ كمُعَظَّمٍ : مَقْطُوعُ الأُذُنَيْنِ ، وفي الصّحاح : مَقْطُوعُ الأُذُنِ.
قالَ الجَوْهَرِيّ : أَمّا قَوْلُ ذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيّ :
أَتانِي كَلامُ التَّغْلبِيِّ ابنِ دَيْسَقٍ |
|
ففِي أَيِّ هذَا ـ وَيْلَهُ ـ يَتَتَرَّعُ؟ |
يَقُولُ الخَنَا ، وأَبْغَضُ العُجْمِ نَاطِقاً |
|
إِلَى رَبِّنَا صَوْتُ الحِمارِ اليُجَدَّعُ |
فإِنَّ الأَخْفَشَ يَقُولُ : أَرادَ الَّذِي يُجَدَّع ، كما تَقُولُ : هو الْيَضْرِبُكَ (٢) ، تُرِيدُ هو الَّذِي ، وهو مِنْ أَبْيَاتِ الكِتَابِ. وقالَ أَبُو بَكْرِ بنُ السَّرَّاجِ : لَمّا احْتَاجَ إِلى رَفْعِ القَافِيَةِ قَلَبَ الاسْمَ فِعْلاً ، وهو من أَقْبَحِ ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ ، انتهى.
قُلْتُ : هذانِ البَيْتانِ أَنْشَدَهُمَا أَبُو زَيْدٍ في نَوَادِرِه هكَذَا لِذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيّ عَلَى طارِق بنِ دَيْسَقٍ. وقالَ ابْنُ بَرِّيّ :لَيْسَ بَيْتُ ذي الخِرَق هذا مِنْ أَبْيَاتِ الكِتَابِ كَما ذَكَرَ الجَوْهَرِيّ ، وإِنّما هُوَ في نَوَادِرِ أَبِي زَيْدٍ. قالَ الصّاغَانِيّ : ولَمْ أَجِدِ البَيْتَ الثَّانِي في شِعْرِ ذِي الخِرَقِ ، وقَدْ قَرَأْتُ شِعْرَه فِي أَشْعَارِ بَنِي طُهَيَّةَ بِنْتِ عُمَيْرِ بنِ سَعْد ، وها أَنَا أَسُوقُ القِطْعَةَ بِكَمَالِهَا ، وهي :
أَتانِي كَلامُ التَّغْلبِيِّ ابنِ دَيْسَقٍ |
|
ففِي أَيِّ هذَا ـ وَيْلَهُ ـ يَتَتَرَّعُ |
فهَلَّا تَمَنَّاها إِذِ الحَرْبُ لاقِحٌ |
|
وِذُو النَّبَوانِ قَبْرُه يَتَصَدَّعُ |
فَيَأْتِيكَ حَيًّا دارِم وهُمَا مَعاً |
|
وِيَأْتِيكَ أَلْفٌ من طُهَيَّةَ أَقْرَعُ |
فيَسْتَخْرِجُ اليَرْبُوعَ مِنْ نافِقائِهِ |
|
وِمِنْ جُحْرِهِ ذُو الشِّيحَةِ اليُتَقَصَّعُ |
وِنَحْنُ أَخَذْنا ـ قَدْ عَلِمْتُمْ ـ أَسِيرَكُم |
|
يَساراً ، فيُحْذَى مِنْ يَسَارٍ ، ويُنْقَعُ |
__________________
(١) تمامه في النهاية : وفي حديث الصديق رض : «قال لابنه يا غُنْثَر فجدَّع وسبَّ» أَي خاصمه وذمّه.
(٢) أدخل اللام على الفعل المضارع لمضارعه اللام الذي.