ويُرْوَى : خافُوا الأَصِيْلَ وقَدْ أَعْيَتْ.
وأَصِيْلُ : د بالأَنْدَلُسِ كما في العُبَابِ ومعجمِ ياقوت ، زادَ الأَخِيرُ : قالَ سَعْدُ الخيرِ : ربَّما كانَ من أَعْمَالِ طُلَيْطلة يُنْسَبُ إِليه أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بنُ إِبْرَاهِيم بنَ مُحَمَّدٍ الأَصِيْلِيّ المحدِّث تَفَقَّه بالأَنْدَلُسِ فانْتَهت إِليه الرِّياسةُ وصنَّفَ كتابَ الآثارِ والدَّلائِل في الخلافِ ثم مَاتَ بالأَنْدَلُسِ في نحو سَنَة تِسْعِين وثَلَثُمائة ، وكانَ والدُه إِبْرَاهِيم أَدِيباً شاعِراً.
* قلْتُ : وأَبُو محمَّدٍ هذا رَاوِيةٌ البُخَارِي ، وبهذا سَقَطَ ما اعْتَرَضَه شيْخُنا فقالَ : هذا غَلَطٌ لفظاً ومعْنًى ، أَمَّا لفظاً فلأَنَّ ظاهِرَه بل صَرَيْحَه أَنَّ البلدَ اسمُه أَصِيل كأَمِيرٍ وليس كذلِكَ ، بل لا يُعْرفُ هذا اللفظُ في أَسْمَاءِ البُلدانِ المَغْرِبيَّةِ أَنْدَلُساً وغَيْرِه ، بل المَعْرُوفُ أَصِيلاً بأَلفِ قَصْرٍ بَعْدَ اللامِ ، ويقالُ لها أَزيلاً بالزَّاي ، وأَمَّا معْنًى فلأَنَّها ليْسَت بالأَنْدَلُسِ ولا ما يَقْرُب منها ، بل هي بالعَدْوَةِ قُرْب طَنْجة وبَيْنها وبَيْن الأَنْدَلُسِ البَحْرُ الأَعْظَمُ ، ومنها الأَصِيْلِيُّ رَاوِيةُ البُخَارِي وغَيْرُ واحدٍ انْتَهَى.
والعَجَبُ من قولِه : بل لا يُعْرَفُ إلى آخِره ، وقد أَثْبَتَه ياقوتُ والصَّاغَانِيُّ وهما حجّةٌ ، وكون أَنَّ الأَصِيليّ من البلدِ الذي بالعَدْوةِ كما قَرَّرَه شيْخُنا يُؤَيِّدُه قَوْلُ أَبي الوليدِ بن الفَرَضِيّ فإنَّه ذَكَرَ أَبَا محمَّدٍ الأَصِيليّ المَذْكورِ في الغُرَباءِ الطَّارِئينَ على الأَنْدَلُسِ فقالَ : ومن الغُرباءِ في هذا البابِ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيم بنَ محمَّدٍ الأَصِيْليُّ من أَصِيْلَهُ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتُه يقُولُ : قَدِمْتُ قُرْطبةَ سَنَة ٣٤٢ ، فسَمِعْتُ بها من أَحْمَدَ بن مطرّف وأَحْمَدَ بن سَعِيدٍ وغَيْرِهما ، وكانَتْ رِحْلتِي إلى المَشْرقِ في مُحَرَّمِ سنَة ٣٥١ ودَخَلْتُ بغدادَ فسَمِعْتُ بها من أَبي بَكْرٍ الشَّافِعِيّ وأَبي بَكْرٍ الأَبْهريّ ، وتَفَقَّه هناك لمالِكِ بنِ أَنَس ثم وَصَلَ إلى الأَنْدَلُسِ فَقَرَأَ عليه الناسُ كتابَ البُخَارِي رِوَايَة أَبي زَيْدِ المَرُوْزِيِّ ، وتُوفي لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةٍ ، بَقِيَتْ من ذِي الحُجَّةِ سَنَة ٣٩٢ ، قالَ ياقوتُ : ويحقِّقُ قَوْلَ أَبي الوليدِ أَنَّ الأَصِيليَّ من الغُرَباءِ لا مِنَ الأَنْدَلُسِ كما زَعَمَ سَعْدُ الخَيْرِ ما ذَكَرَه أَبَو عُبَيْدٍ البَكْرِيُّ في المَسَالِكِ والمَمَالِكِ عنْدَ ذِكْرِ بلادِ البَرْبرِ بالعُدْوةِ بالبُرِّ الأَعْظَمِ فقالَ : ومدينةُ أَصِيلَةَ أَوَّلُ مدنِ العَدْوَةِ ممَّا يَلِي الغَرْب وهي في سَهْلَةٍ مِنَ الأَرْضِ حَوْلها رَوَابٍ لطافٌ والبَحْر بِغَرْبيها وجَنُوْبيها وكانَ عَلَيها سُوْرٌ له خَمْسَةٌ أَبْواب ، وهي الآنَ خَرَابٌ وهي بغربيِّ طَنْجَةَ بينهما مَرْحَلةٌ فتأمَّلْ. والأَصِيلُ : من له أَصْلٌ أَي نَسَبٌ : وقالَ أَبُو البَقَاءِ : هو المُتَمَكِّنُ في أَصْلِه. والأَصِيلُ العاقِبُ الثابِتُ الرأْيِ يقالُ رجلٌ أَصِيلُ الرَّأي أَي مُحْكَمُه. وقد أَصُلَ كَكَرُمَ أَصَالةً والأَصِيلُ العَشِيُّ وهو الوَقْتُ بعْدَ العَصْرِ إلى المَغْربِ ج أُصُلٌ بضمتينِ كقَضِيْبٍ وقُضُبٍ ، وأُصْلانٌ بالضمِ كبَعِيرٍ وبُعْرانٍ ، وآصالٌ بالمدِ كشَهِيدٍ وأَشْهادٍ وطَوِيٍّ وأَطْواءٍ ، وأَصائِلُ كرَبيبٍ ورَبائِبٍ وسَفِينٍ وسَفَائِنٍ قالَ اللهُ تَعَالَى : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١) وشاهِدُ الأَصائِلِ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ الهُذَليُّ :
لعَمْرِي لأَنتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَه |
|
وأَقْعُدُ في أَفْيائِه والأَصائِلِ(٢) |
وقَدْ أَوْرَدَ المصنَّفُ هذه الجموعَ مختلطةً ويمْكِنُ حَمْلُها على القِياسِ على ما ذَكَرْنا ، وفيه أُمورٌ : الأَوَّلُ : أَنَّ الأُصُلَ بضمَّتينِ مُفْردٌ كأَصِيلٍ وعليه قَوْلُ الأَعْشَى :
يوماً بأطْيَبَ مِنْها نَشْرَ رَائِحةٍ |
|
ولا بأحسَنَ مِنْها إذْ دَنَا الأُصُلُ(٣) |
نبَّه عليه السهيليُّ وغيرُه.
والثاني : أنَّ الصَّلاحَ الصَّفَدي ذَكَرَ في تذْكِرَتِه أَنَّ الآصَالَ جَمْعُ أُصُلٍ المُفْرد لا الجَمْع كطُنُبٍ وأَطْنَابٍ.
والثالِثُ : أَنَّ الأَصَائِلَ جَمْع أَصِيْلة بمعْنَى الأَصِيلِ لا جَمْع أَصِيلِ وقَدْ أَغْفَله المصنِّفُ وقد أَشْبَعَ في تحريرِه الكَلام السهيليّ في الرَّوْضِ في السِّفْرِ الثاني منه فقالَ الأَصَائِلُ جَمْعُ أَصِيْلة والأُصُل جَمْع أَصِيل ، وذلك أَنَّ فَعَائِلَ جَمْعِ فَعِيْلة والأَصِيْلة لغةٌ مَعْرُوفةٌ في الأَصِيل ، وظنَّ بعضُهم أَنَّ أَصَائِلَ جَمْعُ آصَالٍ على وَزْن أفْعَالٍ ، وآصَالٌ جَمْع أُصُل نحو أَطْناب وطُنُب ، وأُصُلٌ جَمْع أَصِيل مِثْل رَغِيْف ورُغُف ، فأَصَائِلُ على قولِهم جَمْعُ جَمْعِ الجَمْعِ وهذا خَطَأُ بَيِّنٌ من وُجُوهٍ منها : أَنَّ جَمْعَ جَمْعِ الجَمْع لم يُوجدْ قَطُّ في الكَلامِ فكيفَ يكونُ هذا نَظِيرهُ ، ومن جِهَةِ القِياسِ إذا كَانُوا لا يَجْمَعُونَ الجَمْعَ الذي ليس لأَدْنَى العَدَدِ فأَحْرَى أَنْ لا
__________________
(١) الرعد الآية ١٥ والأعراف الآية ٢٠٥ والنور الآية ٣٦.
(٢) ديوان الهذليين ١ / ١٤١ برواية :
وأجلس في أفيائه بالأصائل
(٣) ديوانه ط بيروت ص ١٤٥.