يَنْقُلَه إلى أَرْضِ ذات نَهْرٍ مِثْل أَرْضِ بابِلَ ، فأُرَي الانتقال إلى مِصْر ، فلمَّا وَرَدَها وسَكَنَها واسْتَطَابَها اشْتَقّ لها اسْماً من مَعْنَى بَابِلَ هو الفُرْقَةُ فسَمَّاها بابِلْيُون ومَعْناه الفُرْقَة الطَّيِّبَة واللهُ تعَالَى أَعْلَمُ. وذَكَرَ ابنُ هشام صاحِبُ السِّيْرَةِ في كتابِ التيجان في النَّسَبِ بابِلْيُون كانَ مَلِكاً من سَبَا ومن وُلْدِه عَمْرو بنُ امْرِىءِ القَيْسِ كانَ مَلِكاً على مِصْرَ في زمنِ إِبْرَاهيم الخَلِيل عليهالسلام ، وقالَ أَبُو صَخرٍ الهُذَلِيُّ :
وماذَا يُرَحِّي بعد آل محرّق |
|
عفا منهم وادِي رُهَاطَ إلى رُحْبِ |
جَلَوْا من تَهَامي أَرْضِينَا وتَبَدّلُوا |
|
بمكّةَ بَابَليُون والرَّبْطِ بالعَصْبِ (١) |
وقَدْ أَسْقَطَ عُمْرَان بنُ حطان منه الأَلِفَ في قَوْلِهِ يذْكُرُ قوماً من الأَزْدِ نَفَاهُم زِيادُ ابنُ أَبيهِ من البَصْرةِ إلى مِصْرَ فنَزَلُوا من الفسْطَاطِ بموضعٍ يقالُ له الظاهِرُ فقالَ :
فَسَارُوا بحمدِ الله حتى أحلّهم |
|
بَبِلْيون منها الموحفاتُ السوابقُ |
فأمسوا بدار لا يُفزَعُ أهلُها |
|
وجيرانُهم فيها تُجيبُ وغافقُ (٢) |
كذا في المعجمِ. وبَابِلُ كصاحِبٍ قَرْيةٌ بمِصْرَ من أَعْمالِ المنوفيَّةِ ومنها العلَّامةُ سُلَيْمانُ بنُ عَبْدِ الدَّائمِ البَابِلِيُّ مفْتِي الشافِعِيَّةِ بمِصْرَ بعْدَ النور الزيادِيّ قالَ النجم الغزيّ : رَأَيْته بمكَّةَ حاجّاً سَنَة ١٠١٤ وتوفي بمِصْرَ سَنَة ١٠٢٦ ، وابن أُخْته الإِمَام الحافِظُ الشمس مُحمّد بن عَلَاء الدين الشافِعِيّ مَوْلدُه سَنَة أَلفٍ ووَفَاتُه سَنَةٍ ١٠٧٧ ، وقد أَلَّفْتُ في شيوخِه ومن أَخَذَ عنه رِسَالةً مليحةً سَمِّيْتُها المربى الكابلي في شيوخِ وتلاميذِ البَابِليِّ نافِعَةً في بابِها.
[بتل] : بَتَلَهُ يَبْتُلُهُ ويَبْتِلُه من حَدَّي نَصَر وضَرَبَ بَتْلاً قَطَعَه كبَتَّلَهُ تَبْتِيْلاً فانْبَتَلَ الشَّيْءُ وتَبَتَّلَ انْقَطَعَ مِثْل انْبَتٌ قالَ أَبُو كبيرٍ الهُذَليُّ :
أقسمتُ لا أسأَدَها بعدي رَجُلْ |
|
إلا امْرَأً أمرَّ شَزْراً فاعتدلْ |
مُجَنَّبَ الساقينِ محلوكَ الأِطِلْ |
|
كأَنَّه تيسُ ظباءٍ مُنْبَتِل(٣) |
وشاهِدُ التَّبَتُّلِ قَوْلُه تعَالَى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٤) قالَ الأَزْهَرِيُّ : مَعْنَاه انْقَطَعَ إليه. وبَتَلَ الشَّيْءَ بَتْلاً مَيَّزه عن غيرِه وأَبانَه منه والبَتولُ كصَبُورٍ المُنْقَطِعَةُ عن الرِّجالِ التي لا شَهْوَة لها فيهم ، وسُمِّيَتْ مَرْيَمُ العَذْرَاءُ البَتُولُ رَضِيَ الله تعالى عنها لانْقِطَاعِها مِنَ الأَزْواجِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ كالبَتِيلِ كأَميرٍ. وفي التَّهْذِيبِ : لتَرْكِها التَّزْوِيج (٥). ولُقِّبَتْ فاطمةُ بنتُ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ عليهما الصلاةُ والسلامُ وعلى ذرِّيتِها بالبَتُولِ تَشْبيهاً بها في المنزلةِ عنْدَ الله تعالى قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ثَعْلَبُ : لانْقِطاعِها عن نِساءِ زَمانِها وعن نِساءِ الأُمَّةِ فَضْلاً وديناً وحَسَبَاً وعَفَافاً وهي سَيِّدُةُ نِساءِ العَالَمِين وأُمُّ أَوْلادِه صلىاللهعليهوسلم ورَضِيَ عنها وعنهم ، وقد أَفْرد العلماءُ في الأَحادِيثِ الوَارِدَةِ في فضْلِها كتاباً مُسْتقلاً منهم شيْخُنا العَارِفُ بالله تعَالى السيِّدُ عَبْد الله بنُ إِبْرَاهِيم بن حَسَن الحُسَيْنِيُّ الطَّائِفيّ فإنَّه أَلَّفَ في ذلك رِسالةً وقَرَأْتُها عَلَيه بالطائِفِ في سَنَةِ ١١٦٦. وقيلَ : البَتُولُ من النِّسَاءِ المُنْقَطِعَةُ عن الدنيا إلى الله تعالى وبه لُقِّبَتْ فاطمةُ أَيْضاً رضياللهعنها. والبَتُولُ : الفَسيلَةُ من النَّخْلَةِ المُنْقَطِعَةُ عن أُمِّها المُسْتَغْنِيَةُ بنَفْسها كالبَتيلِ والبَتِيلَةِ فيهما أي في الفَسِيلَةِ والمَنْقَطِعَةِ عن الدنيا ، عن ابنِ عبَّادٍ : والمُبْتِلَةُ كمُحْسِنَةٍ أُمُّها يَسْتَوِي في الواحِدُ والجَمْعُ كما في المُحْكَمِ. وقدِ انْبَتَلَتْ الفَسِيلَةُ من أُمِّها وتَبَتَّلَتْ واسْتَبْتَلَتْ انْقَطَعَتْ ، وصَدَقَةٌ بَتْةٌ بَتْلَةٌ مُنْقَطِعَةٌ عن صاحِبِها. وفي العُبَابِ : مُنْقَطِعَةٌ من جَميعِ المالِ إلى سَبِيلِ الله تعالى. وعَطاءٌ بَتْلٌ مُنْقَطِعٌ إِمَّا أَنْ يريدَ الغَايَةَ أي أنَّه لا يُشْبِهُهُ عَطاءٌ أو يُريدَ أَنَّه مُنْقَطِعٌ لا يُعْطَى بَعْدَهُ عَطاءٌ. وتَبَتَّلَ إلى الله تعَالى وبَتَّلَ تَبْتِيلاً انْقَطَعَ إليه كما فَسَّرَ الأَزْهَرِيُّ به الآية وقيلَ : بَتَلَ أَخْلَصَ من رياءٍ وسمْعَةٍ وقالَ ابنُ عَرَفَة : تَبَتَّلَ إليه : انْفَرَدَ له في طاعَتِه وأَفْرَدَها له. أَو تَبَتَّلَ تَرَكَ النكاحَ وزَهِد فيه. ومنه حدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ الله تعالى عنه : «رَدَّ رسُولُ الله صلىاللهعليهوسلم ، التَّبَتُّلَ على عُثْمان بن
__________________
(١) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٧٠ ـ ٩٧١ برواية : «ماذا ترجي» ومعجم البلدان «بابليون».
(٢) معجم البلدان «بابليون».
(٣) شرح أشعار الهذليين ، زيادات شعره ٣ / ١٣٣٥ وفيه «محبوك الأطل» والشطر الرابع في اللسان.
(٤) المزمل الآية ٨.
(٥) في التهذيب : «التزوج» والأصل كاللسان.