إنّ المفردات والأسماء في محطات دلالتها والتعبير ، وإبّان النقلات الحضارية واجتياز اللفظة من مدلول إلى آخر ، بقيت على اتصال في الدلالة مع ما سبقها وبخيط مشترك من المعنى بين الاثنين. بينما سارت بعض اللغات مسارا آخر تمثّل في قطع دلالي مع مراحل سبقته. وأصبحت اللفظة رمزا وشكلا يطابق معنى حدث من غير رابط مع المعنى الذي كان قائما في تجربة سبقت.
ولعلّ آلية بنية الساميات ، والعربية منها ، في استحداث الألفاظ والمصطلحات على تفعيلات وأوزان ترتدّ جميعها إلى الثلاثي ، منه تنطلق وإليه تعود ، قد فعلت فعلها وتركت طبعها في الحقل الدلالي للألفاظ ، ورسّخت أثر السيرورة التاريخية للأسماء في انبنائها واصطلاحها على معان مستجدة. ولم يعن ذلك أن لغات أخرى تفقد هذا الاتصال ، إنّما المقصود هنا ضعف السيرورة التاريخية في الحقل الدلالي للألفاظ عند لغات واشتداد ذلك في العربية.
إنّ الأبحاث التي شغلت الأمم في عصور ازدهارها وانبثاق الكشوف العلمية لديها ، وتشعّب تجربتها الفكرية والوجدانية ، قد أغنت لغات هذه الأمم بالألفاظ والأسماء والمصطلحات ، فعبّرت اللغة تلك عن المعاني ، وتحدّدت تلك المعاني بخاصية هذه اللغة من دون سواها ، وبحسب الأقوام الذين تناوبت الحضارة والعلم على أيديهم.
ولا مندوحة عن القول إن هذه المعاني حلقة ضرورية أدّت إلى ما بلغه العقل البشري من تطور وكشف. فسيرورة العلم حلقات متصلة بدأت بحاضرات ضفاف الأنهار لتمرّ باليونان والرومان ومن ثمّ العرب والمسلمين ، ولتنتقل بعد حين إلى أوروبا الحديثة بحضارتها ، وبالتالي ، امتدادها إلى أميركا والعالم ، في بوتقة عصرية مذهلة بلغ فيها العلم وأنماط المعرفة ووسائلها مبلغا مدهشا يرسّخ ذاك التطور والترقي للانسان واستخدامه الطبيعة لصالحه أفضل استخدام ، في عمل دءوب لراحته وسعادته وطول بقائه.
وعند العودة إلى ما بدأناه كيف يمكن لهذه العلوم ومعانيها الحادثة عند الآخر أن تتحقّق عند العرب من غير أن تنسكب في وسائط ترسّخها في الفهم والأذهان؟. ومن غير اللغة القومية وسائط تطال الجمهور والمثقفين وتشمل العامة والخاصة ، فتحدث نقلة معرفية في الشعب ، بمثل ما تغتني هي كلغة قائمة وفاعلة ، إذ إن بقاء العلم منسكبا بلغة من صنع ذاك العلم يؤدّي إلى استقطاب النخب من أهل العربية ، لتتحوّل لغة