العلوم والفكر لديهم إلى الانكليزية أو الفرنسية والألمانية واليابانية. وقد يوصل ذلك إلى تعميق الثغرة بين الشعوب فتحدّ عن المشاركة في العلم ، وعن وسائله وحسن استخدامها ، ممّا يجعل الانسانية في مأزق حضاري لاحق يماثل ردّات الأعراب والبرابرة على الحضارات ؛ وقد يفقد الترقي الحضاري الراهن تميّزه الحر المبدع السلمي عما سبقه من تجارب انسانية عريقة.
ولا غرابة أن تتمثل عظمة العرب والمسلمين فيما رافق عنفوان الحضارة عندهم ودرايتهم في شتى أشكال العلم. وقد أغنى كل ذلك مفردات العربية والأسماء والمصطلحات. فعبّرت عن ذلك الغنى في تراث بقي منه بعض المدوّنات والأعمال الموسوعية كتلك التي نبرزها ونحقّقها.
كما وأنّ كسوف العلم وانتقاله إلى غيرهم ترابط مع تحوّله عنهم واضمحلال العمران وجمود المعاني التي عكست نفسها على جمود الألفاظ والمصطلحات ، حيث ذكر ابن خلدون في مقدمته : «اعتبر ما قرّرناه بحال بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة لمّا كثر عمرانها صدر الاسلام واستوت فيها الحضارة كيف زخرت فيها بحار العلم وتفنّنوا في اصطلاحات التعليم وأصناف العلوم واستنباط المسائل والفنون حتى أربوا على المتقدمين وفاتوا المتأخرين ، ولما تناقص عمرانها وابذعر سكانها انطوى ذلك البساط بما عليه جملة وفقد العلم بها والتعليم وانتقل إلى غيرها من الأمصار» (١).
ومما لا بدّ من الوقوف عليه في طبيعة العربية وطبعها السامي ، ذاك النسق الذي هو عليه حقل دلالة الفاظها ، في ذاك التواصل والاتصال فيما بين الدلالات على تشعّب العلوم واختلافها واجتياز اللفظ من معنى إلى آخر ومن مصطلح إلى سواه. ولا سيما أنّ نقل المفاهيم والمعاني المستجدّة الحادثة من لدن معطيات الشعوب وتجاربها ، ومن نبعات الآخر ، لا ينقطع عن تجربة اللغة بألفاظها والمصطلح ، إبّان سيرورتها وتجربتها العلمية واللغوية ، وإلا كان تفلّتا لا يتوافق مع سنة التطور وطبع العربية وانغراس الفهم في الأذهان على قدر اللغة المعاشة المعبّرة ، وعلى معطى اللاوعي المعرفي المنبث في الضمير والتجربة والعادات والمخيّلة ، والتعليم والتربية (٢).
إنّ الاقرار بفاعلية العودة إلى دراسة المفردات والمصطلحات المعبّرة عن علوم
__________________
(١) ابن خلدون ، المقدمة ، بيروت ، دار احياء التراث العربي ، د. ت. ، ص ٤٣٤.
(٢) العجم ، رفيق ، أثر الخصوصية العربية في المعرفية الإسلامية ، بيروت ، دار الفكر اللبناني ، ١٩٩٤ ، الفصل الأول.