مخصوصة من القوم على وضع الشيء أو الكلمة (١).
ولعلّ الجرجاني (المتوفى ٨١٦ ه) ، والذي لقّبه صاحب الكشاف بالسيد السند ، خير من قدّم لنا في تعريفاته الأبعاد المعرفية التي اكتسبتها اللفظة عقب ما حملته من أس محسوس ، ومن معنى بياني لغوي في سيرورتها والمآل. قال الجرجاني (٢) :
الاصطلاح «عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه الأول».
وهذا القول اشارة عامة إلى طبيعة استعمال الألفاظ وكيفية استخدامها في الدلالات ، بعد إحداث معان في الذهن ، أو نقلها من معرفيات وافدة على القوم.
ويتابع الجرجاني فيقول : «إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما».
أما المناسبة بينهما بعد معرفي تصوري عقلي يربط بين الدلالة الأولى والدلالة المجازية الدينية. إنّها النقلة الكبيرة في اللغة العربية من المحسوس المجرّب إلى المجرّد الديني الشرعي ، مثال ذلك شاهد مستخرج من القرآن الكريم : لفظ : الواجب.
أي الذي وجب فعله لا خيار فيه ، إنّه الأمر الديني. وهذا معنى جامع اتفق عليه أرباب المذاهب الأصولية والكلامية. واللفظ لغة بمعنى الوجبة : أي السقطة مع الهوة.
ووجب وجبة أي سقط إلى الأرض (٣).
إن بنية الاتصال بين المعنيين : السقوط من الأعلى بشدة ، حيث كان المعنى السقوط من أعلى ، وكان المعنى الديني السقوط والتنزيل الآمر. وما يلبث الجرجاني أن يتابع تعريفه للاصطلاح بالقول : «اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى».
وهذه الوضعية شبيهة بوضعية اللغات الأوروبية المعاصرة حيث غدت اللغة بنيانا آليا ، تتحول به الكلمة من صورة إلى رمز ، يرتبط بالمعنى عرضا واتفاقا.
والأرجح أنّ قول الجرجاني السابق يشير إلى مرحلة ادخال المعاني العقلية المنطقية اليونانية إلى اللغة العربية ، واضفاء دلالات على هذه المعاني ، وشاهدنا على ذلك قول الفارابي (٢٥٧ ـ ٣٣٩ ه / ٨٧٣ ـ ٩٥٠ م) «إذا حدثت ملة في أمة ... فإذا احتاج واضع الملة إلى أن يجعل لها أسماء ، فإما أن يخترع لها أسماء لم تكن تعرف عندهم قبله ، وإما أن ينقل إليها أسماء أقرب الأشياء التي لها أسماء عندهم شبيها
__________________
(١) المنجد ، بيروت ، دار المشرق ، ١٩٨٦ ، حرف أ.
(٢) الجرجاني ، علي بن محمد ، التعريفات ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٩٨٣ ، ص ٢٨.
(٣) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة وجب.