وفي هذا الحديث دليل على رئاسة أبي طالب على الجماعة ، وعظم محله فيهم ، وأنه ممن تجب طاعته عندهم ، ويجوز أمره فيهم وعليهم ، ودلالة على شدة (١) غضبه لله عز وجل ولرسوله صلىاللهعليهوآله ، وحميته له ولدينه ، وترك المداهنة والتقية في حقه ، والتصميم لنصرته ، والبلوغ في ذلك إلى حيث لم يستطعه أحد قبله ، ولا ناله أحد بعده.
وقد أجمع أهل السير أيضا ونقلة الأخبار أن أبا طالب رضي الله عنه لما فقد النبي صلىاللهعليهوآله ليلة الاسراء ، جمع ولده ومواليه ، وسلم إلى كل رجل منهم مدية ، وأمرهم أن يباكروا الكعبة ، فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس بفناء الكعبة ، وهم يومئذ سادات أهل البطحاء ، فإن أصبح ولم يعرف للنبي صلىاللهعليهوآله خبرا أو سمع فيه سوءا ، أومأ إليهم بقتل القوم ، ففعلوا ذلك.
وأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المسجد مع طلوع الشمس ، فلما رآه أبو طالب قام إليه مستبشرا فقبل بين عينيه ، وحمد الله عز وجل على سلامته ، ثم قال : والله ، يا ابن أخي ، لو تأخرت عني لما تركت من هؤلاء عينا تطرف. وأومأ إلى الجماعة الجلوس بفناء الكعبة من سادات قريش ذلك.
ثم قال لولده ومواليه : أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم. فلما رأت قريش ذلك انزعجت له ، ورجعت على أبي طالب بالعتب
__________________
(١) في «أ» : ومنها شدة بدل (ودلالة على شدة).