والاستعطاف فلم يحفل بهم (١).
ولم تزل قريش بعد ذلك خائفة من أبي طالب ، مشفقة على أنفسها من أذى يلحق النبي صلىاللهعليهوآله ، وهذا هو النصر الحقيقي نابع عن صدق في الولاية ، وبه ثبتت النبوة ، وتمكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أداء الرسالة ، ولولاه ما قامت الدعوة ، ومن لم يعرف باعتباره إيمان صاحبه وعظم عناه في الدين ، خرج من حد المكلفين.
على أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يزل عزيزا ما كان أبو طالب حيا ، ولم يزل به ممنوعا من الأذى ، معصوما حتى توفاه الله تعالى ، فنبت (٢) به مكة ، ولم تستقر له فيها دعوة ، وأجمع القوم على الفتك به ، حتى جاءه الوحي من ربه ، فقال له جبرئيل عليهالسلام : إن الله عز وجل يقرئك السلام ، ويقول لك : اخرج عن مكة فقد مات ناصرك (٤).
فخرج عليهالسلام : هاربا مستخفيا بخروجه ، وبيت أمير المؤمنين بدلا منه على فراشه ، فبات موقيا له بنفسه ، وسالكا بذلك منهاج أبيه رضي الله عنه في ولايته ونصرته ، وبذل النفس دونه.
فكم بين من أسلم نفسه لنبيه ، وشراها الله تعالى في طاعة نبيه صلىاللهعليهوآله ، وبين من حصل مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمن وحرز ، وهو لا
__________________
(١) الطبقات الكبرى ١ : ٢٠٢ ، الحجة على الذاهب : ٢٨٦.
(٢) زيادة يقتضيها السابق.
(٣) يقال : نبت بي تلك الأرض : أي لم أجد بها قرارا «لسان العرب ـ نبا ـ ١٥ : ٣٠٢».
(٤) الحجة على الذاهب : ٢٩٠ شرح نهج البلاغة ٤ : ٧٠.