يملك نفسه جزعا ، ولا قلبه هلعا ، قد أظهر الحزن ، وأبدى الخور (١) ، شاكا في خبر الله تعالى ، مرتابا بقول رسول الله صلى الله عليه والله وسلم ، غير واثق بنصر الله عز وجل ، آيسا من روح الله ، ضأنا (٢) بنفسه عن الشهادة مع نبي الله صلىاللهعليهوآله ، أم كم بين ما ذكرناه من نصر أبي طالب لرسول الله صلىاللهعليهوآله وقيامه بأمره حتى بلغ دين الله ومسارعته إلى اتباعه ومعاضدته ومؤازرته وبين تأخر غيره عنه واخلائه مع أعدائه عليه ونحره في السفر إلى......... يطعم منه الراحلين معه لسفك دمه حتى إذا ظفره الله تعالى به مقهورا وجئ به إليه أسيرا دعاه إلى الإيمان فلجلج وأمره بفداء نفسه فامتنع ، فلما أشرف على دمه أقر وانقاد للفداء ضرورة وأسلم.
إن هذا لعجب في القياس وغفلة خصوم الحق عن فصل ما بين هذه الأمور حتى عموا فيها عن الصواب ، وركبوا العصبية والعناد ، لأعجب والله نسأل التوفيق.
ومما يؤيد ما ذكرناه من إيمان أبي طالب رضي الله تعالى عنه ويزيده بيانا ، أنه لما قبض رحمه الله ، آتى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فآذنه بموته فتوجع لذلك النبي صلىاللهعليهوآله وقال : «امض يا علي ، فتول غسله وتكفينه وتحنيطه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني».
ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، فلما رفعه على السرير اعترضه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فرق له ، وقال : «وصلتك رحمة ،
__________________
(١) الخور : الضعف «مجمع البحرين ـ خور ـ ٣ : ٢٩٣».
(٢) ضن بالشئ : بخل به «الصحاح ـ ضنن ـ ٦ : ٢١٥٦».