من الدلالات الواضحة في هذا الخبر النبويّ الشريف ، أنّ العلم النافع في الدنيا والآخرة ـ بنظر الشارع المقدّس ـ إنّما هو عبارة عن العلوم الثلاثة التالية :
١ ـ علم العقائد الصحيحة ، المشار إليه في قوله : «آية محكمة» ; فإنّ علم الكلام إنّما يستدلّ على صحّته وما جاء فيه من العقائد بالآيات المحكمة والبراهين المستحكمة ، ولا يجوز فيها التقليد.
٢ ـ علم الفقه ، الذي هو عبارة عن أحكام أفعال المكلّفين من الواجبات والمحرّمات ولواحقهما ، واُشير إليه في قوله : «فريضة عادلة» ; فإنّ الفقه مجموعة فرائض تخبر عن المصالح والمفاسد بصيغ الأوامر والنواهي وتوابعهما.
٣ ـ علم الأخلاق ، فهو عبارة عن كسب الآداب والسنن ، وتخلية النفس والقلب من الصفات الذميمة ، وتحليتهما بالأخلاق الطيبة والسنن القائمة ، المشار إليها في قوله : «سنّة قائمة» في نفس الإنسان والتي تكون ملكة راسخة في وجوده.
ولمّا كان الإنسان ذا أبعاد ثلاثة : العقل والجسد والروح ، فمربّي عقله هو العقائد السليمة ، ومربّي الجسد : التكاليف الشرعية ، ومعلّم الروح : الأخلاق الحسنة (١).
__________________
(١) يقول صاحب (جامع السعادات ١ : ١١٧) المولى محمد مهدي النراقي : العلم كلّه وإن كان كمالا للنفس وسعادة ، إلاّ أنّ فنونه متفاوتة في الشرافة والجمال ووجوب التحصيل وعدمه ، فإنّ بعضها ، كالطبّ والهندسة والعروض والموسيقى وأمثالها ، ممّا ترجع جلّ فائدته إلى الدنيا ، ولا يحصل لها مزيد بهجة وسعادة في العقبى ، ولذا عدّت من علوم الدنيا دون الآخرة ، وربّما وجب تحصيل بعضها كفاية ... وما هو علم الآخرة الواجب تحصيله ، وأشرف العلوم وأحسنها ، هو العلم الإلهي المعرّف لاُصول الدين ، وعلم الأخلاق المعرّف