______________________________________________________
لمنجيات النفس ومهلكاتها ، وعلم الفقه المعرّف لكيفية العبادات والمعاملات ، والعلوم التي مقدمات لهذه الثلاثة ، كالعربية والمنطق وغيرهما ، يتّصف بالحسن ووجوب التحصيل من باب المقدّمة.
وهذه العلوم الثلاثة وإن وجب أخذها إجمالا ، إلاّ أنّها في كيفية الأخذ مختلفة. فعلم الأخلاق يجب أخذه عيناً على كلّ أحد ، على ما بيّنته الشريعة وأوضحه علماء الأخلاق ، وعلم الفقه يجب أخذ بعضه عيناً ، إمّا بالدليل أو بالتقليد من مجتهد حيّ ، والتارك للطريقين غير معذور ، ولذا ورد الحثّ الأكيد على التفقّه في الدين. قال الصادق عليهالسلام : «عليكم بالتفقّه في دين اللّه ولا تكونوا أعراباً ، فإنّه مَن لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملا». وقال : «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام». وقال عليهالسلام : «إنّ آية الكذّاب أن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب ، فإذا سألته عن حرام اللّه وحلاله لم يكن عنده شيء».
وأمّا اُصول العقائد فيجب أخذها عيناً من الشرع والعقل ، وهما متلازمان لا يتخلّف مقتضى أحدهما عن مقتضى الآخر ، إذ العقل هو حجّة اللّه الواجب امتثاله والحاكم العدل الذي تطابق أحكامه الواقع ونفس الأمر ، فلا يردّ حكمه ، ولولاه لما عرف الشرع ، ولذا ورد : (أنّه ما أدّى العبد فرائض اللّه حتّى عقل عنه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل) ، فهما متعاضدان ومتظاهران ، وما يحكم به أحدهما يحكم به الآخر أيضاً ، وكيف يكون مقتضى الشرع مخالفاً لمقتضى ما هو حجّة قاطعة وأحكامه للواقع مطابقة ، فالعقل هو الشرع الباطن والنور الداخل ، والشرع هو العقل الظاهر والنور الخارج ، وما يتراءى في بعض المواضع من التخالف بينهما ، إنّما هو لقصور العقل ، أو لعدم ثبوت ما ينسب إلى الشرع منه ، فإنّ كلّ عقل ليس تاماً ، وكلّما ينسب إلى الشرع ليس ثابتاً منه ، فالمناط هو العقل الصحيح وما ثبت قطعاً من الشريعة ، وأصحّ العقول وأقواها وأمتنها