قالَ الأَزهرِيُّ : فلانَّ (١) مَئِنَّةً ، عِنْدَ اللّحْيانيِّ ، مبدِلٌ الهمزةَ فيها مِن الظاءِ في المَظِنَّة ، لأنَّهُ ذَكَر حُروفاً تُعاقِبُ فيها الظاءُ الهَمْزَةَ ، مثْل قَوْلهم : بيتٌ حسَنُ الأَهَرَةِ والظَّهَرَةِ ، وقد أَفَرَ وظَفَرَ أَي وَثَبَ.
وفي الفائِقِ للزَّمَخْشريّ : مَئِنَّةٌ مَفْعِلَةٌ مِن أنَّ التَّوْكِيدِيَّة غَيْر مُشْتَقّةِ مِن لفْظِها ، لأنَّ الحُروفَ لا يُشْتَق منها ، وإنَّما ضُمَّنَتْ حُرُوف تَرْكِيبها لإيضَاحِ الدَّلالَةِ على أنَّ معْناها فيها ، والمعْنى مَكان يقولُ القائِلُ أَنَّه كذا ؛ وقيلَ : اشْتُقَّ مِن لفْظِها بعْدَ ما جعَل اسماً كانَ قول ، انتهى.
قالَ شيْخُنا ، رحِمَه اللهُ تعالَى : وفي الاشْتِقاقِ قَبْل أَو بَعْد لا يَخْفى ما فيه مِن مُخالَفَةِ القواعِدِ الصَّرْفيَّة فتأَمَّل.
وقد يجوزُ أَنْ يكونَ مَئِنَّةٌ فَعِلَّةً ، فعلى هذا ثلاثيٌّ ، يأْتي في مَأَنَ.
وتَأَنَّنْتُه وأَنَّنْتُهُ : أَي تَرَضَّيْتُهُ.
وبِئْرُ أَنَّى ، كحَتَّى ، ويقالُ بالموحَّدَةِ أَيْضاً كما تقدَّمَ ، أَو أُنَا ، كَهُنَا وهكذا ضَبَطَه نَصْر ، أَو إِنِي ، بكسْرِ النُّونِ المُخَفَّفَةِ ، وعلى الأَخِيرَيْن اقْتَصَرَ ياقوتُ ، فمحلُّ ذِكْرِه في المُعْتلِّ : مِن آبارِ بَني قُرَيْظَةَ بالمَدينَةِ ، على ساكِنِها أَفْضَلُ الصَّلاة والسَّلام.
قالَ نَصْر : وهناك نَزَلَ النبيُّ صلىاللهعليهوسلم ، لمَّا فَرَغَ مِن غَزْوَةِ الخنْدَقِ وقَصَدَ بَني النَّضير.
وأَنَّى تكونُ بمعْنَى حيثُ وكيفَ وأَيْنَ ؛ وقوْلُه تعالَى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) (٢) ، يَحْتَمل الوُجُوه الثلاثَةَ ؛ وقوْلُه : (أَنّى لَكِ هذا) ، أَي مِن أَيْنَ لكَ ، وتكونُ حَرْفَ شَرْطٍ ، كقوْلِهِم : أَنَّى يكُنْ أَكُنْ.
وإِنَّ ، بالكسْرِ ، وأَنَّ ، بالفتْحِ : حَرْفَانِ ، للتَّأْكِيدِ ، يَنْصِبانِ الاسْمَ ويَرْفَعانِ الخَبَرَ ؛ وقد تَنْصِبُهُما ، أَي الاسْم والخَبَر إنَّ المَكْسورَةُ ، كقولِهِ : إذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيلِ فَلْتَأْتِ ولتَكُن خُطاكَ خِفافاً إنَّ حُرَّاسَنا أُسْدَا (٣) فالحُرَّاس اسْمها والأُسْد خَبَرها ، وكِلاهُما مَنْصوبانِ.
وفي الحدِيثِ : «إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّم سَبْعينَ خَرِيفاً» وقد يَرْتَفِعُ بَعْدَها المُبْتَدأ فيكونُ اسْمُها ضَمِيرَ شأنٍ مَحْذوفاً نَحْو الحدِيث : «إِنَّ مِن أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيامَةِ المُصَوِّرونَ» ؛ والأَصْلُ إنَّه.
ومنه أَيْضاً قوْلُه تعالَى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٤) ؛ تَقْديرُه إنَّه كما سَيَأْتي قرِيباً إنْ شاءَ الله تعالى.
والمَكْسورَةُ منهما يُؤَكَّدُ بها الخَبَرُ ، وقد تُخَفَّفُ فتَعْمَلُ قليلاً وتُهْمَلُ كَثيراً.
قالَ اللَّيْثُ : إذا وَقَعَتْ أَنَّ على الأَسْماءِ والصِّفاتِ فهي مُشَدَّدَة ، وإذا وَقَعَتْ على فِعْل أَو حَرْفٍ لا يتمكَّن في صِفةٍ أَو تَصْريفٍ فخفّفْها ، نقولُ : بَلَغَني أَن قد كانَ كذا وكذا ، تخفِّف مِن أَجْل كانَ لأَنَّها فِعْل ، ولو لا قَدْ لم تحسن على حالٍ مِن الفِعْل حتى تعْتَمد على ما أَو على الهاءِ كقوْلِكَ إنَّما كانَ زيْدٌ غائِباً ، وبَلَغَنِي أَنَّه كانَ إخوتك غيباً (٥) ، قالَ : وكذلِكَ بَلَغَني أنَّه كانَ كذا وكذا ، تُشَدِّدُها إذا اعْتمدَتْ ، ومِن ذلِكَ : إنْ رُبّ رَجُلٍ ، فتخَفّف ، فإذا اعتمدَتْ قلْتَ : إنَّه رُبَّ رجُلٍ ، شدَّدْتَ ، وهي مع الصِّفاتِ مُشَدَّدَة إنَّ لكَ وإِنَّ فيها وإِنَّ بكَ وأَشْبَاهها ، قالَ : وللعَرَبِ في إنَّ لُغَتانِ : إِحْدَاهما التَّثْقِيل ، والأُخْرَى التَّخْفِيف ، فأَمَّا مَنْ خَفَّفَ فإنَّه يَرْفَعُ بها إلَّا أَنَّ ناساً مِن أَهْلِ الحِجازِ يخفِّفونَ وينْصِبُونَ على توهُّم الثَّقِيلَة ، وقُرىءَ : وَإِنْ كلّا لما ليُوَفِّيَنَّهُم (٦) ؛ خفَّفوا ونَصَبُوا ؛ وأَنْشَدَ الفَرَّاءُ في تَخْفِيفِها مع المُضْمر :
فلوْ أَنَّكِ في يَوْمِ الرَّخاءِ سأَلْتَنِي |
|
فِراقَكَ لم أبْخَلْ وأَنتِ صَديقُ (٧) |
__________________
(١) في التهذيب واللسان : فكأن.
(٢) البقرة ، الآية ٢٢٣.
(٣) من شواهد القاموس ، والبيت في مغني اللبيب ط دار الفكر بيروت ص ٥٥ ، ونسبه محققه إلى عمر بن أبي ربيعة.
(٤) طه ، الآية ٦٣.
(٥) في اللسان : أنه كان أخو بكر غنيًّا.
(٦) هود ، الآية ١١١.
(٧) اللسان ومغني اللبيب ط دار الفكر بيروت ص ٤٧ والتهذيب.