الأولى : قوله في سورة البراءة أو التوبة : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) (١).
ونفس هذه الآية بما بدأت به وبما انتهت به حتى من حيث الحرف ، لا الكلمة وحدها ، جاءت في سورة الصف : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) (٢).
فالله سبحانه وتعالى ـ من باب التندر أقول ـ ليس كبعض شعرائنا الذي ينظم القصيدة فيجدها قصرت عما يريدها من عدد الأبيات فيأتي بأبيات قالها سابقاً في قصيدة أخرى يضمّنها ، يضمّن قصيدته هذه تلك الأبيات حتى تطول ، وهذا كثيراً ما يكون ، ولا يؤاخذه مؤاخذ بما فعل ، لأنه قول قاله ، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يعيد الآية كي تطول السورة ، يجلّ عن ذلك ، يعيد الآية كي يؤكّد لنا بأن هذا وعدٌ قاطعٌ صريحٌ لا خلف له ، ولن يخلف الله وعده.
وبالإضافة إلى ذلك نفس المعنى يرد في آية كريمة أخرى ، تختلف من حيث الانتهاء ، وهي قوله تعالى في سورة الفتح : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) (٣).
هذا المقطع : ( وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) حسب فهمنا أقوى بالدلالة على قوله تعالى حينما ختم به آيتيه الكريمتين : ( وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ، ف : ( وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) معناه : أن الله سبحانه وتعالى الذي وعد هو الذي يشهد ، لا أنه وعد
__________________
(١) سورة التوبة : ٣٣.
(٢) سورة الصف : ٩.
(٣) سورة الفتح : ٢٨.