قد علمتم وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعي الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا تناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا ارى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.
فكانت التضحية وكان الداء الذي ادمى القلوب ومزقها وكان النصر حليفه فلقد استقامت بشهادتك يا ابا عبدالله أركان الإسلام وتبين الرشد من الغي وظلت كلمة لا إلا الله محمد رسول الله التي حاربها الحزب الأموي مدوية في الفضاء خالدة في أجوائه خلود يومك.
لقد اراد لها يزيد بن ميسون الفناء بقتلك وأراد الله لك ولها البقاء فبقيت وبقيت مع التاريخ تستنير الاجيال بذكراك ويستلهم منها المخلصون سبل الثورة على الظلم والطغيان وبقي ذكر اولئك الطغاة عارا تتبرأ منه الاحفاد والاجيال وتتبعهم اللعنات ما دام التاريخ.
فما أصبرك يا ابا عبدالله وما اروع يومك حينما وقفت في ارض المعركة وحيداً لا ناصر لك ولا معين تتلفت يمينا وشمالا فلا ترى سوى اصحابك وبنيك واخوتك صرعى على ثرى الطف المديد والاعداء تحيط بك من كل نواحيك تحدق في خيامك الخالدة إلا من النساء والاطفال والصراخ يتعالى من هنا وهناك وأنت تتلوى لهول ذلك المشهد وتلك الحشود الهائلة وقد شهرت أسنة رماحها في وجهك فتغمض عينيك من هول ذلك المنظر ومما حل ببيت الرسالة وأحفاد الرسول فلا تجد من يأويهم ويكفلهم من بعدك.
ثم تتلفت إلى أنصارك فلا ترى سوى الجثث المبعثرة من حولك فما أهوله من منظر وما ارزأها من مصيبة لم يحدث التاريخ بمثلها ومع كل ذلك فلم تلن لأولئك الطغاة ومضيت في ثورتك على الباطل ثورة الإيمان بكل معانيه وأبعاده على الكفر بكل اباطيله تقول : والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أقر لكم اقرار العبيد وبقيت خالداً خلود الدهر.