هكذا كانت النظرة بالنسبة للنقاد الغربيين ، فإذا استقبلنا النقاد العرب المعاصرين وجدنا الفكرة أعمق رسوخاً ، وأصلب عوداً ، والنظرة أفحص إمعاناً ، وأكثر ذيوعاً ، تارة بالاتحاد بينهما ، وأخرى بعدم الانفصال ، وثالثة بوحدة المؤدى بين الشكل والمحتوى.
يرى الأستاذ أحمد الشايب عدم إمكانية فصل القيمة الفنية بين اللفظ والمعنى ويرى كلاً منهما انعكاساً للآخر بسبب « شدة الارتباط بين المادة والصورة أو بين اللفظ والمعنى ، أو بين الفكرة والعاطفة من ناحية ، والخيال واللفظ من ناحية ثانية ، إذ كان هذان صورة لذينك ، وأي تغيير في المادة يستتبع نظيره في الصورة والعكس صحيح » (١).
ويرى الدكتور بدوي طبانة أن اللفظ والمعنى حقيقتان متحدتان ، ومنزلتهما واحدة لا تمايز بينهما ، والعناية بأحدهما عناية بالطرف الآخر ، والاهتمام يجب أن يقسم عليهما بالتساوي لأنه اهتمام بالعمل الأدبي وزنة للقيمة الفنية فيقول : « وليست منزلة المعنى دون منزلة اللفظ في تقدير القيمة الفنية للعمل الأدبي ، ولا شك عند المنصفين أن وجوب مراعات جانب المعنى لا يقل شأناً عن وجوب الاهتمام بالالفاظ » (٢).
وقد أبدى الدكتور شوقي ضيف اهتماماً كبيراً بالمسألة ، ووجه لها عنايته الفائقة ، وأعار لها الصفحات العديدة في كتابه « النقد الأدبي » وتوصل إلى أن الفصل بين اللفظ والمعنى ، أو الشكل والمضمون أمر مستحيل ... « فليس هناك محتوى وصورة ، بل هما شيء واحد ، ووحدة واحدة ، إذ تتجمع في نفس الأديب الفنان مجموعة من الأحاسيس ويأخذ تصويرها بعبارات يتم بها عمل نموذج أدبي ، وأنت لا تستطيع أن تتصور مضمون هذا النموذج أو معناه بدون قراءته ، وكذلك لا تستطيع أن تتصور صورته أو شكله أو لفظه ، دون أن تقرأه ، فهو يعبر عن الجانبين جميعاً مرة واحدة ، وليسا هما جانبين ، بل هما شيء واحد ، أو جوهر واحد ممتزج متلاحم ،
__________________
(١) أحمد الشايب ، أصول النقد الأدبي : ٢٤٦.
(٢) بدوي طبانة ، دراسات في نقد الأدب العربي من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث : ١٣٨ ـ ١٣٩.