وصرّح أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بأنّ العمل بهذا القرآن موقوف على تفسيره وكشف المراد منه في قضيّة التحكيم ، بقوله : «هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدّفّتين ؛ لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان. وإنّما ينطق عنه الرجال» (٣).
فالقرآن مرشد صامت ؛ وإنّما ينطق عنه لسان الناطقين. فهو حاكم محتاج إلى ترجمان. فلا بدّ أن يقوم الرجال العارفون بالمراد من هذه الخطوط ببيانه والكشف عنه. ويسمّى هذا الكشف والبيان تفسيرا. قال في القاموس : «الفسر : الإبانة وكشف المغطّى ؛ كالتفسير» (٤) وقال الطريحيّ : «التفسير في اللّغة : كشف معنى اللّفظ وإظهاره. مأخوذ من الفسر. وهو مقلوب السفر. يقال : أسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته» (٥).
فالتفسير هو بيان ظواهر آيات القرآن ، حسب قواعد اللّغة العربيّة. وهو الّذي رغّب فيه القرآن الشّريف ؛ حيث مدح الله أقواما على استخراجهم معاني القرآن ، فقال تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٦). وذمّ أقواما لم يتدبّروا القرآن ولم يتفكّروا في معانيه فقال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٧).
والاستنباط كذلك لا يختصّ بآية دون آية ، وقوم دون قوم ؛ حيث ذكرنا أنّ القرآن أنزل على قواعد لسان فصحاء العرب ومكالماتهم في أنديتهم وسائر محاوراتهم وأجرى فيه على طريقتهم من الاستعمالات الحقيقيّة والمجازيّة والكنائيّة وغيرها ؛ ممّا يعرف مداليلها الظّاهرة أهل اللسان الّذين لم يشوّه لغتهم ، بحسب طبعهم ، ويعرفها غيرهم بالتعلّم لقواعد لغتهم.
وأمّا حجّيّة جميع تلك الظواهر ، والحكم بكون كلّها مرادا واقعيّا لله تعالى ، فقد منعنا عنه القرآن ؛ حيث صرّح فيه بالتفرقة بين آياته. فقال الله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ
__________________
(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٥.
(٤) القاموس المحيط ٢ / ١١٠.
(٥) مجمع البحرين ، مادة «فسر».
(٦) النساء (٤) / ٨٣.
(٧) محمد (٤٧) / ٢٤.