وقال عبد العزيز بن يحيى : معنى هذه الحروف أنّ الله ذكرها ، فقال : اسمعوها مقطعة ، حتى إذا وردت عليكم مؤلفة كنتم قد عرفتموها قبل ذلك ، وكذلك تعلم الصبيان أولا مقطعة ، وكان الله أسمعهم مقطعة مفردة ، ليعرفوها إذا وردت عليهم ، ثم أسمعهم مؤلّفة.
وقال أبو روق : إنّها تكتب للكفار ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلّها ، وكان المشركون يقولون : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).
فربما صفّقوا وربما صفّروا وربما لفظوا ليغلّطوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلمّا رأى رسول الله ذلك أسرّ في الظهر والعصر وجهر في سائرها ، وكانوا يضايقونه ويؤذونه ، فأنزل الله تعالى هذه الحروف المقطعة ، فلمّا سمعوها بقوا متحيرين متفكّرين ، فاشتغلوا بذلك عن إيذائه وتغليطه ، فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم.
وقال الأخفش : إنّما أقسم الله بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها ، ولأنّها مباني كتبه المنزلة بالألسن المختلفة ، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وأصول كلام الأمم بما يتعارفون ويذكرون الله ويوحّدونه ، وكأنّه أقسم بهذه الحروف إنّ القرآن كتابه وكلامه (لا رَيْبَ فِيهِ).
وقال النقيب : هي النبهة والاستئناف ليعلم أنّ الكلام الأول قد انقطع ، كقولك : ولا إنّ زيدا ذهب.
وأحسن الأقاويل فيه وأمتنها أنّها إظهار لإعجاز القرآن وصدق محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ وذلك أنّ كل حرف من هذه الحروف الثمانية والعشرين.
والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كلّه كقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) (١) أي صلّوا لا يصلّون ، وقوله : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (٢) فعبر بالركوع والسجود عن الصلاة إذ كانا من أركانها ، وقال : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) (٣) أراد جميع أبدانكم.
وقال : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) أي الأنف فعبّر باليد عن الجسد ، وبالأنف عن الوجه.
وقال الشاعر في امرأته :
لما رأيت أمرها في خطي |
|
وفنكت في كذب ولط |
أخذت منها بقرون شمط |
|
فلم يزل ضربي بها ومعطي (٤) |
__________________
(١) سورة المرسلات : ٤٨.
(٢) سورة العلق : ١٩.
(٣) سورة آل عمران : ١٨٢.
(٤) تفسير الطبري : ١ / ١٣٢ ، ولسان العرب : ١٠ / ٤٨٠.