والصباح ... العزم ... (١) .. حتّى رزقني الله تعالى ـ وله الحمد ـ من ذلك ما عرفت به الحقّ من الباطل ، والمفضول من الفاضل ، والصحيح من السقيم ، والحديث من القديم ، والبدعة من السنة ، والحجّة من الشبهة. فألفيت المصنّفين في هذا الباب فرقا على طرق : فرقة منهم أهل البدع والأهواء وفرقة المسالك والآراء مثل البلخي والجبائي والأصفهاني والرماني ، وقد أمرنا بمجانبتهم وترك مخالطتهم ، ونهينا عن الاقتداء بأقوالهم وأفعالهم فاختاروا ممّن تأخذون دينكم ، وفرقة ألّفوا وقد أحسنوا غير أنّهم خلطوا أباطيل المبتدعين بأقاويل السلف الصالحين كما جمع بين ... (٢) .. لاسفدوانية مثل أبي بكر القفال وأبي حامد المقري. وهما من الفقهاء الكبار ، والعلماء الخيار ، ولكن لم يكن التفسير حرفتهم ، ولا علم التأويل صنعتهم ؛ ولكل عمل رجال ، ولكل مقام مقال.
وفرقة اقتصروا على الرواة والنقل دون الدراية والنقد مثل الشيخين أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، وأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأنماطي. وبياع الدواء محتاج إلى الأطبّاء.
وفرقة حرّموا الأسناد الذي هو الركن والعماد ، وتملّكوا الصحف والدفاتر وجهدوا على ما هو بين الخواطر ، وذكروا الغثّ والسمين ، والركيك والمتين ، وليسوا في عداد العلماء فصنت الكتاب عن فكرهم ، والقراءة والعلم سنة يأخذها الأصاغر عن الأكابر. ولو لا الاسناد لقال من شاء ما شاء.
وفرقة حازوا قصب السبق في عمدة التصنيف والحذق ، غير أنّهم طوّلوا كتبهم بالمعادات ، وكثرة الطرق والروايات ، وحشوها بما منه بدّ ، فقطعوا عنها طمع المسترشد مثل الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، وشيخنا أبي محمد عبد الله بن حامد الأصفهاني. وازدحام العلوم مضلّة للفهوم.
وفرقة جرّدوا التفسير دون الأحكام ، وبيان الحلال من الحرام ، والحل عن الغوامض والمشكلات ، والرد على أهل الزيغ والشبهات كمشايخ السلف الصالحين ، والعلماء القدماء من التابعين وأتباعهم مثل مجاهد ومقاتل ، والكلبي والسدّي ، ولكل من أهل الحقّ فيه غرض محمود وسعي مشكور.
فلما لم أعثر في هذا الشأن على كتاب جامع مهذّب يعتمد في علم القرآن عليه .... (٣) ، ورأيت رغبة الناس عن هذا العلم ظاهرة ، وهممهم عن البحث فيه قاصرة ، وطباعهم عن النظر في البسائط نافرة ، وانضاف إلى ذلك سؤال قوم من المبرزين ، والعلماء المحصّلين ، والرؤساء
__________________
(١) بياض في المخطوط.
(٢) بياض في المخطوط.
(٣) بياض في المخطوط.