وأجراه بعضهم على الظاهر ، فقالوا : غلط قوم وكانوا مشوا ، فقال لهم عيسى عند الغلط استعظاما لقولهم : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ... اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي أن تشكوا في قدرة الله تعالى أو تنسبوه إلى عجز أو نقصان ولستم بمؤمنين والمائدة هي الخوان الذي عليه الطعام وهي فاعلة إذا أعطاه وأطعمه ، كقولهم : ماد يميد ، وغار يغير ، وامتاد افتعل ومنه قول روبة :
تهدى رؤس المترفين الأنداد |
|
إلى أمير المؤمنين الممتاد |
أي المستعطي.
قال رؤبة : والمائدة هي المطعمة المعطية الآكلين الطعام وسمي الطعام أيضا مائدة على الخوان لأنه يؤكل على المائدة كقولهم للمطر سماء ، وللشحم ثرى.
وقال أهل الكوفة : سميت مائدة لأنها تميد الآكلون أي تميل ومنه قوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (١).
قال الشاعر :
وأقلقني قتل الكناني بعده |
|
وكادت بي الأرض الفضاء تميد (٢) |
فقال أهل البصرة : هي فاعلة بمعنى المفعول أي تميد بالآكلين إليها ، كقوله (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي مرضية ، قال عيسى مجيبا لهم (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فلا تشكوا في قدرته. وقيل : (اتَّقُوا اللهَ) أن تسألوه شيئا لم يسأله الأمم قبلكم (قالُوا) إنما سألنا لأنا (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) نستيقن قدرته (وَتَطْمَئِنَ) تسكن (قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) بأنك رسول الله.
(وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) لله بالوحدانية والقدرة ولك بالنبوة والرسالة ، وقيل : (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) لك عند بني إسرائيل ، إذا رجعنا إليهم ، (قالَ عِيسَى) عند ذلك (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ) حال ردّ إلى الاستقبال أي كائنة وذلك كقوله (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) (٣) يعني يصدقني في قراءة من رفع.
وقرأ عبد الله والأعمش : تكن لنا بالجزم على جواب الدعاء.
(عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) أي عائدا من علينا وحجة وبرهانا والعيد اسم لما أعتد به وعاد إليك من كل شيء ومنه قيل : أيام الفطر والأضحى عيد لأنهما يعودان كل سنة.
ويقال : لطيف الخيال عيد.
__________________
(١) سورة النحل : ١٥.
(٢) تفسير القرطبي : ٦ / ٣٦٧.
(٣) سورة مريم : ٦.