نطيعكما حتّى تعقرا الناقة فإن عقرتماها أطعناكما ، فلمّا أتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا : يكون من وراء عقرهما.
وقال ابن إسحاق وغيره : فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل حفرة على طريقها ، وكمن لها مصدع في طريق آخر فمرّت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم وعنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس فاستقرّت لقدار ثمّ دمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرجت ورغت رغاة واحدة فحدر سقبها ثمّ طعن في لبّتها فنحرها.
وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه فلمّا رأى سقبها (١) ذلك انطلق حتّى أتى جبلا منيعا يقال له صور ، وقيل : اسمه قارة ، وأتى صالح فقال له : أدرك الناقة قد عقرت فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يا نبي الله إنّما عقرها فلان وفلان ولا ذنب لنا. فقال صالح عليهالسلام : أنظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب. فخرجوا يطلبونه فلمّا رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى الله عزوجل إلى الجبل فتطاول في السماء حتّى لا تناله الطير. وجاء صالح عليهالسلام فلمّا رآه الفصيل بكى حتّى سالت دموعه ثمّ استقبل صالحا فرغا رغوة ثم رغا أخرى ثم رغا أخرى.
فقال صالح عليهالسلام : لكل رغاة أجل يومكم (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
وقال ابن إسحاق : أتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة وفيهم مصدع ابن مهرج وأخوه داب بن مهرج فرمى مصدع بسهم فانتظم قلبه ثمّ جر برجله وأنزله وألقوا لحمه مع لحم أمّه. فقال لهم صالح : انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله ونقمته ، فقالوا له وهم يهزئون به : ومتى ذلك يا صالح وما آية ذلك؟ وكان يسمّون الأيام فيهم الأحد الأوّل والإثنين أميون والثلاثاء دبار والأربعاء جبار والخميس مؤنس والجمعة غروبة والسبت شيار. وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح عليهالسلام حين قالوا ذلك : تصبحون غداء يوم مؤنس ووجوهكم مصفرّة ، ثمّ تصبحون يوم غروبة ووجوهكم محمرّة ثمّ تصبحون يوم شيّار ووجوهكم مسودّة ، ثمّ يصبحكم العذاب يوم الأوّل ، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرّة كأنّما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وإناثهم ، فأيقنوا العذاب وعرفوا أن صالحا قد صدقهم فطلبوه ليقتلوه ، وخرج صالح هاربا حتّى لجأ إلى بطن من ثمود ، يقال له : بنو غنم ، فنزل على سيّدهم رجل منهم يقال له : نفيل ويكنّى أبا هدب وهو مشرك فغيّبه فلم يقدروا عليه ، وقعدوا على أصحاب صالح يعذّبونهم ليدلّوهم عليه.
__________________
(١) وهو ولدها.