قال أميّة بن أبي الصلت :
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (١) |
أي صار الآن اللبن ، كأن لم تكن قط بولا.
وسمعت [الحسين بن الحبيبي] قال : سمعت أبا زكريا العنبري يقول : معناه : (إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) في سابق علمه وعند اللوح والقلم.
وقال بعضهم : كان شعيب ومن آمن معه في بدء أمرهم مستخفين ثمّ أظهروا أمرهم وإنما قال لهم قومهم (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) حسبوا أنّهم على ملّتهم [قيل : من هو معه] (٢) على أصحاب شعيب دون شعيب لأنّهم كانوا كفّارا ثمّ آمنوا بالخطاب لهم وجواب شعيب عنهم لا عن نفسه ، لأن شعيبا لم يكن كافرا قط وإنّما ناوله الخطاب في أصناف من فارق دينهم إليه.
ورأيت في بعض التفاسير أن الملّة هاهنا الشريعة وكان عليه قبل نبوّته فلمّا [نبّئ] فارقهم.
ثمّ دعا شعيب على قومه إذ لمس ما فيهم فقال (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) أي اقض.
وقال [المؤرخ] : افصل.
وقال ابن عباس : ما كنت أدري ما قوله (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) حتّى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعالى أفاتحك. أي أقاضيك ...
وقال الفراء : أهل عمان يسمّون القاضي الفاتح والفتّاح. وذكر غيره أنّه لغة مهاد. فأنشد لبعضهم :
ألا أبلغ بني عصم رسولا |
|
بأنّي عن فتاحتكم غنيّ (٣) |
أي حكمكم. (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) يعني الحاكمين (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) وتركتم دينكم (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) قال ابن عباس : مغبونون. قال عطاء : جاهلون. قال الضحاك : فجرة. (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) قال الكلبي : الزلزلة.
قال ابن عباس : وغيره من المفسّرين : فتح الله عليهم بابا من أبواب جهنم فأرسل عليهم ريحا وحرّا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء فأنضجهم الحر فبعث الله عزوجل سحابة فيها ريح طيّبة فوجدوا برد الريح بطيبها وظل السحابة فتنادوا
__________________
(١) كتاب العين : ١ / ١٨٢.
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) جامع البيان للطبري : ١ / ٥٢٥.