وقال مجاهد : معناه (فَما كانُوا) لو أحييناهم بعد هلاكهم ورددناهم إلى الدنيا (لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا) به من قبل هلاكهم كقوله (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (١) وقال يمان بن رئاب : هذا معنى أنّ كلّ نبي أخذ قومه بالعذاب ما كانوا ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الكفار بل كذّبوا كما كذب نظير قوله (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ) (٢).
وقيل : معناه : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعني بالمعجزات والعجائب التي سألوهم (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) بعد ما رأوا الآيات والعجائب (بِما كَذَّبُوا) به من قبل رؤيتهم تلك العجائب نظيره قوله (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) (٣) (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (٤).
(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) الذين كتب عليهم أن لا يؤمنون من قومك (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) يعني وفاء بالعهد ، والعهد الوصية (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) أي ما وجدنا أكثرهم إلّا فاسقين ناقضين العهد.
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٠٥) قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (١١٣) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (مُوسى بِآياتِنا) بحجّتنا وأدلّتنا (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا) فجحدوا وكفروا (بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وكيف فعلنا بهم (وَقالَ مُوسى) لمّا دخل على فرعون واسمه قابوس في قول أهل الكتاب.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٢٨.
(٢) سورة الذاريات : ٥٢. ٥٣.
(٣) سورة المائدة : ١٠٢.
(٤) سورة الإسراء : ٥٩.