وقرأ الباقون مقصورة الرفع منونة. وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، فمن قصره فمعناه جعله مدكوكا. والدك والدق بمعنى واحد لأن الكاف والقاف يتعاقبات ، لقولهم : كلام رقيق وركيك ، ويجوز أن يكون معناه : دكه الله دكا أي فتّه الله أغبارا لقوله (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا) وقوله (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (١).
قال حميد :
يدك أركان الجبال هزمه |
|
تخطر بالبيض الرقاق بهمه (٢) |
ومن مده فهو من قول العرب ناقة دكاء إذا لم يكن لها سنام. وحينئذ يكون معناه : جعله أيضا دكاء ، أي مستوية لا شيء فيها ، لأن الجبل مذكر ، هذا قول أهل الكوفة.
وقال نحاة البصرة : معناه فجعله مثل دكّا وحذف مثل فأجرى مجرى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) قال الأخفش : من مدّ قال في الجمع : دكاوات ، وذلك مثل حمراوات وحمرة ، ومن قال : أرض دك ، قال في الجمع : دكوك ، (وَخَرَّ) أي وقع (مُوسى صَعِقاً) قال ابن عباس : فغشي عليه ، وقال قتادة : ميّتا.
وقال الكلبي : (خَرَّ مُوسى صَعِقاً) يوم الخميس يوم عرفة وأعطى التوراة يوم الجمعة [يوم النحر].
وقال الواقدي : لما (خَرَّ مُوسى صَعِقاً) قالت ملائكة السماوات : ما لابن عمران وسؤاله الرؤية؟! وفي بعض الكتب أنّ ملائكة السماوات أتوا موسى وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون : يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية ربّ العزّة.
(فَلَمَّا أَفاقَ) من صعقته وعقله عرف أنّه قد فعل أمرا لا [ينبغي فعله] (قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) من سؤالي الرؤية (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنك لا ترى في الدنيا [قال السدي] ومجاهد : وأنا أوّل من آمن بك من بني إسرائيل.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي قال : سمعت أبا القاسم النصرآبادي يحكي عن الجنيد [أنه قال :] جئت إليك من الأسباط في شيء لا تعلقه نيتي ، فأنا أوّل المؤمنين بأنّك لا ترى في الدنيا لأن أول من سألك الرؤية [...] (٣).
__________________
(١) سورة الحاقة : ١٤.
(٢) تفسير الطبري : ٩ / ٧٢.
(٣) كلمة غير مقروءة.