بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
قوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) أي يخلص دينه لله ويفوّض أمره إليه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (يسلّم) بالتشديد ، وقراءة العامّة بالتخفيف من الإسلام وهو الاختيار لقوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) (١) وأشباه ذلك.
(وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي : اعتصم بالطريق الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه. وقال ابن عبّاس : هي : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).
(وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) يعني مرجعها. (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. نُمَتِّعُهُمْ) نعمّرهم ونمهلهم (قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) نلجئهم ، ونردّهم (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ).
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
قوله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية.
قال المفسّرون : سألت اليهود رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الرّوح فأنزل الله بمكّة : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (٢) الآية ، فلمّا هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود ، فقالوا : يا محمّد بلغنا عنك أنّك تقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، أفعنيتنا أم قومك؟ فقال عليهالسلام : كلّا قد عنيت. قالوا : ألست تتلوا فيما جاءك : إنّا قد أوتينا التّوراة وفيها علم كلّ شيء؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم. قالوا : يا محمّد كيف تزعم هذا وأنت تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٣) فكيف يجتمع هذا قليل وخير كثير؟ فأنزل الله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) أي بريت
__________________
(١) سورة البقرة : ١١٢.
(٢) سورة الإسراء : ٨٥.
(٣) سورة البقرة : ٢٦٩.