مقاتل : (ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) عذاب الأمم الخالية ، (وَما خَلْفَكُمْ) : عذاب الآخرة.
(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، والجواب محذوف تقديره : إذا قيل لهم هذا ، أعرضوا ، دليله ما بعده : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ) : الرزق (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) يتوهمون أنّ الله تعالى لما كان قادرا على إطعامه وليس يشاء إطعامه ، فنحن أحق بذلك. نزلت في مشركي مكة حين قال لهم فقراء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله ، وذلك قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (١) فحرموهم ، وقالوا : لو شاء الله أطعمكم فلا نعطيكم شيئا حتى ترجعوا إلى ديننا.
(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في اتباعكم محمدا ومخالفتكم ديننا. عن مقاتل بن حيان ، وقال غيره : هو من قول أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهم.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنا نبعث؟ فقال الله تعالى : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي نفخة إسرافيل (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي يختصمون ويخاصم بعضهم بعضا.
واختلفت القراء فيه ؛ فقرأ ابن كثير وورش وأبو عبيد وأبو حاتم بفتح الخاء وتشديد الصاد ومثله روى هشام عن أهل الشام : لما أدغموا نقلوا حركة التاء إلى الخاء.
وقرأ أبو جعفر وأيوب ونافع غير ورش ساكنة الخاء مخففة الصاد ، وقرأ أبو عمرو : بالإخفاء ، وقرأ حمزة : ساكنة الخاء مخففة الصاد ، أي يغلب بعضهم بعضا بالخصام ، وهي قراءة أبي بن كعب ، وقرأ الباقون : بكسر الخاء وتشديد الصاد.
(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) : فلا يقدرون على أن يوصي بعضهم بعضا ، (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وهي النفخة الأخيرة : نفخة البعث ، وبين النفختين أربعون سنة ، (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) أي القبور ، واحدها جدث (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يخرجون ، ومنه قيل للولد : نسلا ؛ لأنه يخرج من بطن أمّه ، والنسلان والعسلان : الإسراع في السير.
(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) أي منامنا قال أبي بن كعب وابن عباس وقتادة : إنما يقولون هذا ؛ لأن الله رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين فيرقدون ، وقال أهل المعاني : إنّ الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار ما عذبوا في القبور في جنبها كالنوم ، فقالوا : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)؟ ثم قال : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) : أقرّوا حين لم ينفعهم
__________________
(١) الأنعام / ١٣٦.