(إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ. أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) جدل بالباطل (مُبِينٌ).
واختلفوا في هذا الإنسان من هو؟ فقال ابن عباس : هو عبد الله بن أبيّ ، وقال سعيد بن جبير : هو العاص بن وائل السهمي ، وقال الحسن : هو أميّة بن خلف ، وقال قتادة : أبي بن خلف الجمحي ؛ وذلك أنه أتى النبي صلىاللهعليهوسلم بعظم حائل قد بلي فقال : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «نعم ، ويبعثك ويدخلك النار» [٨٤] (١) فأنزل الله هذه الآية : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) بدء أمره ، (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) بالية ، وإنما لم يقل رميمة ؛ لأنه معدول من فاعله وكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن إعرابه كقوله : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (٢) أسقط الهاء ؛ لأنها مصروفة عن باغية.
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) : خلقها (أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) ، وإنما لم يقل الخضر ، والشجر ـ جمع الشجرة ـ لأنه ردّه إلى اللفظ.
قال ابن عباس : هما شجرتان يقال لإحداهما مرخ ، والأخرى العفار. فمن أراد منهم النار قطع منها غصنين مثل السواكين ، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار أنثى فتخرج منهما النار بإذن الله عزوجل.
يقول العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار (٣) ، وقال الحكماء : كل شجر فيه نار إلّا العناب. (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) النار فذلك زادهم.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) قرأ العامة بالألف ، وقرأ يعقوب (بقدر) ـ على الفعل ـ (عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ، ثم قال : (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً) أي وجود شيء ، (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٥ / ٥٨.
(٢) سورة مريم : ٢٨.
(٣) راجع لسان العرب : ٣ / ٥٣ ، واستمجد : استفضل أي استكثر من النار.