فما استتمّ قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم أجمعين.
قال : وبلغ أجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء ، واحتال ثانيا في أمر إلياس ، وقيّض فئة أخرى مثل عدد أولئك ، أقوى منهم وأمكن من الحيلة والرأي فأقبلوا حتى توغلوا [في] تلك الجبال. متفرقين ، وجعلوا ينادون : يا نبي الله إنا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته ، إنا لسنا كالذين (١) أتوك قبلنا ، إنّ أولئك فرقة نافقوا وخالفوا (٢) ، فصاروا إليك ليكيدوا بك من غير رأينا ولا علمنا (٣) ، وذلك أنهم حسدونا وحسدوك وخرجوا إليك سرا ، ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤونتهم ، والآن فقد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم بسوء نياتهم وانتقم دونك منهم. فلما سمع إلياس مقالتهم دعا الله بدعوته الأولى ، فأمطر عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم.
وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه كما وعده الله سبحانه وتعالى على لسان نبيّه إلياس ، لا يقضى عليه فيموت ولا يخفف عنه من عذابه ، فلما سمع الملك بهلاك أصحابه ثانيا إزداد غضبا إلى غضب ، وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه إلّا أنه شغله عن ذلك مرض (٤) ابنه ، فلم يمكنه ، فوجه نحو إلياس الكاتب المؤمن الذي هو كاتب امرأته ، رجاء أن يأنس به إلياس ، فينزل معه وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءا ، وإنما أظهر له ذلك لما اطّلع عليه من إيمانه ، وأنّ الملك مع اطلاعه على إيمانه كان مغضيا عنه فيه ؛ لما هو عليه من الأمانة والكفاءة والحكمة وسداد الرأي والبصر (٥) بالأمور ـ فلما وجّهه نحوه أرسل معه (٦) فئة من أصحابه ، وأوعز إليهم (٧) دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوه به إن أراد التخلف عنهم ، وإن جاء مع الكاتب واثقا به آنسا لمكانته لم يوحشوه ولم يرّوعوه. ثم أظهر للكاتب الإنابة ، وقال له : إنه قد آن لي أن أتوب واتّعظ ، وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا ، والبلاء الذي فيه ابني ، وقد عرفت أنّ ذلك بدعوة إلياس ، ولست آمن أن يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته ، فانطلق لنا إليه وأخبره أنا قد تبنا وأنبنا ، وإنّه لا يصلحنا في توبتنا ، وما نريد من رضا ربنا وخلع أصنامنا إلّا أن يكون إلياس بين أظهرنا ، يأمرنا وينهانا ، ويخبرنا بما يرضي ربنا.
قال : وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام وقال له : أخبر إلياس أنّا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد
__________________
(١) من عرائس المجالس ، وفي المخطوط : كالذي.
(٢) من عرائس المجالس ، وفي المخطوط : خالفتنا.
(٣) من عرائس المجالس ، وفي المخطوط : علم.
(٤) من عرائس المجالس.
(٥) في عرائس المجالس : البصارة.
(٦) من عرائس المجالس ، وفي المخطوط : أرسله.
(٧) من عرائس المجالس ، وفي المخطوط : الفئة.