(لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) وهذا من أحسن التعريض ، حتّى كنّى بالنعاج عن النساء.
والعرب تفعل ذلك كثيرا توري عن النساء بالظباء والشاة والبقر وهو كثير وأبين في أشعارهم.
قال الحسن بن الفضل : هذا تعريض التنبيه والتفهيم ، لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي ، وإنما هو كقول الناس ضرب زيد عمرا ، وظلم عمرو زيدا ، واشترى بكر دارا وما كان هناك ضرب ولا ظلم ولا شراء.
(فَقالَ أَكْفِلْنِيها). قال ابن عبّاس : أعطنيها.
ابن جبير عنه : تحوّل لي عنها.
مجاهد : أنزل لي عنها.
أبو العالية : ضمها إليّ حتّى أكفلها.
ابن كيسان : اجعلها كفلي ، أي نصيبي.
(وَعَزَّنِي) وغلبني (فِي الْخِطابِ).
قال الضحاك : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني.
وقرأ عبيد بن عمير : وعازني في الخطاب بالألف من المعاز وهي المغالبة.
فقال داود : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) فإن قيل : كيف جاز لداود أن يحكم وهو لم يسمع كلام الخصم الآخر؟
قيل : معنى الآية أن أحدهما لمّا ادّعى على الآخر عرّف له صاحبه ، فعند اعترافه فصل القضية بقوله : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) فحذف الاعتراف ، لأن ظاهر الآية دال عليه ، كقول العرب : أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال.
وقال الشاعر :
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا |
|
كأنك سعيد يحميك الطعام طبيب (١) |
تتابع أحداث تخر من إخوتي |
|
فشيّبن رأسي والخطوب تشيب (٢) |
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) الشركاء (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فليسوا كذلك (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ودليل ما ذكرنا من التأويل.
__________________
(١) زاد المسير : ٣ / ١٢٩ ، وتاريخ دمشق : ٢٧ / ٢٦٧ بتفاوت في الصدر.
(٢) زاد المسير : ٣ / ١٢٩.