أشعارهم ومصاريعها فتلحق بالألف في موضع الفتح عند الوقوف ولا تفعل ذلك في حشو الأبيات ، فحسن إثبات الألف في هذه الحروف لأنّها رؤوس الآي تمثيلا لها بالقوافي.
قوله عزوجل : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي اختبروا ومحّصوا ليعرف المؤمن من المنافق (وَزُلْزِلُوا) وحرّكوا وخوّفوا (زِلْزالاً) تحريكا (شَدِيداً) وقرأ عاصم الجحدري (زَلْزالاً) بفتح الزاي وهما مصدران.
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) يعني معتب بن قشير وأصحابه (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شكّ وضعف اعتقاد (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أي من المنافقين وهم أوس بن قبطي وأصحابه ، وقال مقاتل : هم من بني سالم (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) يعني المدينة. وقال أبو عبيدة : يثرب اسم أرض ، ومدينة الرسول عليهالسلام في ناحية منها. (لا مُقامَ لَكُمْ) قراءة العامّة بفتح الميم ، أي لا مكان لكم تقيمون فيه. وقرأ السّلمي بضم الميم ، أي لا إقامة لكم ، وهي رواية حفص عن عاصم (فَارْجِعُوا) إلى منازلكم أمروهم بالهرب من عسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن عبّاس : قالت اليهود لعبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين : ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيدي أبي سفيان وأصحابه فارجعوا إلى المدينة فرجعوا (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ) في الرجوع إلى منازلهم وهم بنو حارثة بن الحرث (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي هي خالية [ضائعة] وهي ممّا يلي العدوّ ، وإنّا نخشى عليها العدوّ والسرّاق. وقرأ ابن عبّاس وأبو رجاء العطاردي عَوِرَةٌ ، بكسر الواو يعني قصيرة الجدران فيها خلل وفرجة ، والعرب تقول : دار فلان عورة ، إذا لم تكن حصينة ، وقد اعور الفارس إذا بدا فيه خلل الضرب ، قال الشاعر :
متى تلقهم لا تلقى في البيت معورا |
|
ولا الضيف مفجوعا ولا الجار مرملا (١) |
قال الله تعالى : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً. وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) يقول لو دخل عليهم هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم المدينة (مِنْ أَقْطارِها) جوانبها ونواحيها ، واحدها قطر وفيه لغة أخرى قطر وأقطار.
(ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) الشرك (لَآتَوْها) قراءة أهل الحجاز بقصر الألف ، أي لجاءوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام وكفروا ، وقرأ الآخرون بالمدّ ، أي لأعطوها. وقالوا : إذا كان سؤال كان إعطاء (وَما تَلَبَّثُوا بِها) وما احتبسوا عن الفتنة (إِلَّا يَسِيراً) ولأسرعوا الإجابة إليها طيبة بها أنفسهم ، هذا قول أكثر المفسّرين ، وقال الحسن والفراء : وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلّا قليلا حتى يهلكوا (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل غزوة الخندق
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ١٤٨.