قال : يا رب كيف لي أن تعفو عني وصاحبي لم يعف عني.
قال : يا داود أعطيه يوم القيامة ما لم تر عيناه ولم تسمع أذناه فأقول له : رضى عبدي؟
فيقول : يا رب من أين لي هذا ولم يبلغه عملي.
فأقول له : هذا عوض من عبدي داود فأستوهبك منه فيهبك لي.
قال : يا رب الآن قد عرفت أنك قد غفرت لي (١).
فذلك قوله سبحانه : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) يعني ذلك الذنب (وَإِنَّ لَهُ) بعد المغفرة (عِنْدَنا) يوم القيامة (لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) يعني حسن مرجع.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا مخلد بن جعفر قال : حدثنا الحسن بن علوية قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدثنا إسحاق بن بشر قال : أخبرنا أبو الياس ومقاتل وأبو عبد الرحمن الجندي عن وهب بن منبه قال : إن داود لما تاب الله عزوجل عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة ، لا ترقأ له دمعة ليلا ونهارا ، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة ، فقسّم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام : فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوم لنسائه ، ويوم يسيح في الفيافي وفي الجبال والساحل ، ويوم يخلوا في دار له فيها أربعة آلاف محراب ، فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه ويساعدونه على ذلك ، فإذا كان يوم سياحته ، يخرج في الفيافي فيرفع صوته بالمزامير ، فيبكي وتبكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش حتّى تسيل من دموعهم مثل الأنهار ، ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الحجارة والجبال والدواب والطير حتّى تسيل أودية من بكائهم ، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر والسباع وطير الماء ، فإذا أمسى رجع.
فإذا كان يوم نوحه على نفسه ، نادى مناديه : أن اليوم يوم نوح داود على نفسه ، فليحضر من يساعده.
قال : فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاث فرش من مسوح ، حشوها ليف فيجلس عليها وتجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب ، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ، ويرفع الرهبان معه أصواتهم ، فلا يزال يبكي حتى يغرق الفراش من دموعه ، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب فيجيء ابنه سليمان فيحمله ، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول : يا رب اغفر ما ترى ، فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدّنيا لعدله.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ١ / ٣٤١ بتفاوت.